بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و
الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی
لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی
الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه
المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 13

الفضیلة
العاشرة: حزن القلب

– “قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَة”.

لقد
عدّ الإمام علي ع في هذا الكلام الحزن القلبي من علائم وفضائل أهل التقوى, كما
ويُبيّن كذلك أمير المؤمنين ع في مورد آخر حالات المؤمنين حيث يقول: “الْمُؤْمِنُ
بِشْرُهُ  فِي وَجْهِهِ، حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ”[1].

ومن
جهة أخرى نشاهد أنّ القرآن الكريم قد جاء بتعبير «لا
هم یحزنون» في 13 آية في مقام توصيف أولياء الله, والذين يأتون
بالأعمال الحسنة. ويتكلّم عن خصوص المتقين في آيتين كريمتين:

– {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ
عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ}[2].

– {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ
لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[3].

والآن
نشاهد الحزن والغم الذي قد ورد في كلام أمير المؤمنين ع لأهل الإيمان والتقوى
أيّ حزنٍ وغمٍّ يكون؟ وكيف يمكن الجمع بينه وبين آيات القرآن الكريم التي تنفي
الحزن والغم عن وجود أهل الإيمان والتقوى ؟

غم
وحزن الدنيا

إنّ
غمّ الدنيا بعيد عن ساحة الناس المتّقين الذين يصبحون محزونين من أجل الحياة
والعيش في هذا العالم, وقد ذُمّ كثيراً في الأدبيات العرفانية.

حزن
الفراق

إنّ
ابتعاد الإنسان عن محضر الله عزّ وجل وعدم الوصول إلى المقام اللائق بعبوديته
تعالى, يُوجد الغمّ والحزن في قلوب أهل التقوى والمعرفة, وبحدّ تعبير أمير
المؤمنين ع يكون تحمّله أصعب من عذاب نار جهنم: 

– “فَهَبْنِي يَا إِلهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلاَيَ
وَرَبِّي، صَبَرْتُ عَلَىٰ عَذَابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَىٰ فِرَاقِكَ”.

ولعلّه
يُمكن فهم أسرار بكاء رسول الله والأئمّة الأطهار ليلاً أثناء مناجاتهم عارفين
بمقام الله من خلال هذا الحزن والغمّ للفراق. كما أنّ الانصهار والذوبان المُشاهَد
في أشعار الشعراء العارفين له منشأ في إحساس الفراق والابتعاد هذا.

حزن
الوصال

إنّ
الإنسان المتّقي الذي يطوي مراحل السلوك إلى الله ويصل إلى مقام لقاء الله, يبقى
قلبه محزوناً أن يُفرّط بلذّة وصال الحق هذه, ويعود إلى الفراق من جديد. فالعارف
السالك ما لم يصل إلى المعشوق, يكون حزن فراقه مقترناً مع الأمل باللقاء, ولكنّ
الحزن الذي يبقى في مقام الوصال ويزيد في قرب نفس العارف, يكون كالكابوس المزعج
له, وحيداً غير مقترنٍ بذاك الأمل, ولذلك يكون محرقاً للقلب أكثر.

كما
أنّ وقوع الإنسان وسقوطه كلّما كان من درجة أعلى في سلم المعرفة سيكون مفزعاً
أكثر. يتكلّم القرآن الكريم عن بلعم بن باعورا الذي كان قد وصل إلى مقام استجابة
الدعاء, ولكن وقع في مصيدة إغواء الشيطان وسقط بوجهه على الأرض:

– {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا
فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}[4].

إنّ
الإنسان المتّقي يقلق ويحزن من هذا الخطر العظيم الذي يتهدّده, وهذا الكلام
المنسوب إلى النبي الأكرم ومع أنّه يوجد إشكالات في انتسابه للنبي “النَّاسُ
كُلُّهُمْ مَوْتَى إِلا الْعَالِمُونَ، وَالْعَالِمُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إِلا
الْعَامِلُونَ، وَالْعَامِلُونَ كُلُّهُمْ غَرْقَى إِلا الْمُخْلِصُونَ،
وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ” ناظر إلى هذا الحزن والقلق
الكبير.

كان
رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة في ليلتها، ففقدته من الفراش، فدخلها
في ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت حتى انتهت إليه وهو في جانب من
البيت قائم رافع يديه يبكي وهو يقول: “اللهم لا تنزع عني صالح ما أعطیتني أبداً،
اللهم لا تردني في سوء استنقذتني منه أبداً، اللهم لا تکلني إلی نفسي طرفة عین أبدا”.

 قال: فانصرفت أم سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله صلى
الله عليه وآله لبكائها فقال لها: ما يبكيك يا أم سلمة ؟ فقالت: “بأبي أنت
وأمي يا رسول الله ولم لا أبكي وأنت بالمكان الذي أنت به من الله، قد غفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر، تسأله أن لا يشمت بك عدوا أبداً، وأن لا يردك في سوء استنقذك
منه أبداً، وأن لا ينزع منك صالحاً أعطاك أبدا ، وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين أبدا
؟” فقال: “يا أم سلمة وما يؤمنني ؟ وإنما وكل الله يونس بن متى إلى
نفسه طرفة عين وكان منه ما كان”[5].

 

والحمد الله
رب العالمين

 

 

[1] نهج البلاغه: الحکمة330.

[2] سورة الأعراف, الآية 35.

[3] سورة الزمر, الآية 61.

[4] سورة الأعراف, الآية 175.

[5] بحار
الأنوار،ج16، ص217.

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment