بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 10

الفضیلة السابعة: الشوق إلى الموت

– “لَوْلاَ
الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي
أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ
الْعِقَابِ”.

نتحدّث في هذه الفضيلة عن شوق المتقين للموت
من أجل الوصول إلى نعم الجنّة, بالإضافة إلى بقاء أهل التقوى حبيسي سجن البدن
والحياة الدنيا. ومن أجل فهم هذه الفضيلة يجب الالتفات إلى بعض المسائل:

الأجل الإلهي المقدّر

إنّ واقع الأجل والموت سؤال يخطر في ذهن أغلب
الناس ولا يجدون في أغلب الأوقات جواباً مناسباً عليه. فمن جهة تتحدّث الآيات
القرآنية عن الأجل الإلهي المقدّر بحيث لا يقبل التقديم أو التأخير بأيّ حال. يقول
القرآن الكريم:

– {لِکُلِّ
أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا
يَسْتَقْدِمُونَ}[1].

لقد سمعنا كثيراً يقولون بأنّه لا يصل أحد
إلى ساعة الموت ولم يرحل عن الدنيا. فإذا حصل حادث مع أحد وتوفي يقولون بأنّه
تُوفّي لأنّ أجله قد حان أوانه, والحادث كان وسيلة فقط لتحقّق موته لا غير, بحيث
لو أنّ هذا الشخص قد كان جالساً في المنزل ستوافيه المنية أيضاً.

يتحدّث القرآن الكريم عن الأشخاص الذين
يمتنعون عن امتثال الأمر الإلهي بالمشاركة في الجهاد والدفاع عن أراضي المسلمين
عندما يقول: {فَلَمَّا کُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ
إِذا فَريقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ مشركي مكّة کَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا
لِمَ کَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلي‏ أَجَلٍ قَريبٍ}[2].

ثم يأتي بالجواب على اعتراضهم هذا في الآية
اللاحقة:

– {أَيْنَما
تَکُونُوا يُدْرِکْکُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ کُنْتُمْ في‏ بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[3].

ومن جهة أخرى نشاهد في تعاليمنا الدينية
موارداً من قبيل الصدقة والدعاء يمكنها أن تدفع البلاءات وتُغيّر مصير الأشخاص,
كذلك هناك أمور توجب تعجيل الموت كقطع الرحم وإهانة العالم. وعليه كيف يمكن فهم
تغيير القضاء الإلهي في هذه الموارد؟ فإذا كان الأجل محتّم غير قابل للتغيير والتأخير,
فما هو الأثر الناتج عن الدعاء والتوسل وصلة الرحم والصدقة؟

وفي مقام الإجابة يجب القول أنّه في المتون
الإسلامية قد ورد في عّدة كتب تتحدّث عن عالم الخلقة وعالم التكوين بأنّ مصير
الإنسان والعالم معيّن, وقد قُدّر في تلك الكتب جميع الحوادث وما سيحصل لكل إنسان
من حين الولادة وحتّى الممات. فإحدى هذه الكتب هو لوح المحو والإثبات الذي فيه
تُذكر الحوادث والمجريات والتي ستصل إلى مرحلة الفعلية, ومن اسمها يُعلم بأنّ ما
قد كُتب فيها قابل للتغيير والتبديل. ويُوجد كتاب آخر أيضاً اسمه اللوح المحفوظ
لا يطرأ عليه أيّ تغيير يُذكر, يقول القرآن الكريم: 

– {يَمْحُو
اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[4].

طبقاً لهذه الآية, لله كتابان في عالم
التكوين: كتاب يمحو الله ما كان مسجّلاً فيه كلّما أراد, أو يُضيف ما يُريد عليه,
فهو مربوط بالتغييرات التي تحصل في القضاء الإلهي, والكتاب الآخر يكون أساس ومنشأ
جميع حوادث ووقائع هذا العالم, وما ورد فيه لا يقبل التغيير.

إنّ لوح
المحو والإثبات يُبرز مظهر القدرة المطلقة لله, ومحتواه قابل للتغيير والتبديل
والمحو والكتابة من جديد. فما قد كُتب في هذا اللوح يأتي بصورة وهيئة تعليقية
وشرطية, فإذا حصل هذا الأمر ستكون النتيجة هكذا وإن لم يحصل لن تتأتّى النتيجة
المطلوبة.

يضرب العلّامة المجلسي هكذا مثال من أنّه لو
قّدر لزيد أن يعيش خمسين سنة, ولكن لو أتى بصلة الرحم سيعيش ستين سنة, وإن قطع
رحمه سيكون عمره أربعين, وعليه لو أتى بصلة الرحم, ستمحى الخمسون سنة من         ذلك الكتاب وستتغير إلى ستين سنة[5]. 

تمنّي الموت والكمال الوجودي للإنسان

يذكر الفلاسفة نحوين من الأجل والموت
للإنسان: الأجل والموت الطبيعي, والأجل والموت غير الطبيعي.

يتحقّق الأجل والموت الطبيعي عندما تصل نفس
الإنسان إلى درجة من الكمال لا يحتاج بعد إلى بدنه, كما تنفصل الفاكهة الناضجة عن
الغصن, بخلاف الفاكهة غير الناضجة التي تبقى معلقّة على الغصن.

وهكذا فالأجل والموت غير الطبيعي يكون عندما
لا تكون النفس مهيئة بعد للإنفصال عن البدن, ولم تصل بعد للكمال اللازم, فيحدث أن
تنفصل عن البدن اضطراراً جرّاء عارض,حادث, أو مرض, وما شابه ذلك.

يُوجّه القرآن الكريم في سورة الجمعة خطابه
إلى مجموعة من الناس يجعلهم في عداد أوليائه, أنّه لو كنتم صادقين فيما تقولون
وتُريدون الوصول للكمال المطلوب واقعاً, فلماذا أنتم معلّقون بالحياة الدنيا إلى
هذا الحد ولم تُفارقوها؟

{إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ
لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[6].

ها نحن ذا على أبواب شهر رمضان المبارك, شهر
شهادة أمير المؤمنين علي عليه السلام, والذي كان وليّاً حقيقيّاً لله, وإحدى علائم
كون أمير المؤمنين وليّاً لله هي شوقه للموت. يقول أمير المؤمينن عليه السلام بعد
ضربه على رأسه:

– “وَاللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ
الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَ لَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَ مَا كُنْتُ إِلَّا
كَقَارِبٍ وَرَدَ وَطَالِبٍ وَجَدَ، وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ”[7].

والحمد الله رب العالمين

 

 

 

 

[1] سورة الأعراف: الآية34.

[2] سورة
النساء, الآية 77.

[3] سورة النساء: الآية 78.

[4] سورة الرعد: الآية 39 .

[5]
بحار الأنوار، ج۴، ص۱۳۰

 

[6] سورة الجمعة, الآية 6.

[7]  نهج البلاغه، الرسالة23.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment