بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و
الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی
لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی
الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه
المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 14

الفضیلة الحادية عشرة: مداراة الناس

– “شُرُورُهُمْ
مَأْمُونَةٌ”.

من المشاكل الأساسية التي تلحق
بالمجتمعات البشرية, والتي تُعدّ سبباً للكثير من التجاذبات الفردية والقومية في
المنطقة والعالم مسألة عدم احترام القوانين وعدم مراعاة حقوق عامة أفراد المجتمعات
الإنسانية. وهذه المشكلة مسبوقة بروحية زيادة طلب الذات عند الإنسان, والتي تظهر
في الأشخاص غير المهذّبين بأشكال مختلفة.

إنّ المنظمات الدولية وعلى مرّ التاريخ
من قبيل المجتمع الدولي, منظمة الأمم المتحدّة, المنطمة الدولية للدفاع عن حقوق
البشر, محكمة لاهاي الدولية, جميعها قائمة على فكرة الدفاع عن حقوق الضعفاء مقابل
تعدّي وزيادة طلب الأقوياء. كما أنّ عدم نجاح هذه المنظمات في الوصول إلى أهدافها
الأولية يعود إلى نفس هذه الخاصيّة والخصلة الذاتيىة عند الإنسان.

هذا والتصوير الذي يُقدّمه الدين عن
الإنسان المؤمن, يُبرز الإنسان الذي يلتفت بشكل كامل إلى حقوق الآخرين ويحترمها.
وتُشاهد هذه النزعة للقانون واحترام حقوق الآخرين في الروايات بتعابير مختلفة:

– أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ
أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: “سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صِفَةِ
الْمُؤْمِنِ فَنَكَسَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ: فِي الْمُؤْمِنِينَ
عِشْرُونَ خَصْلَةً فَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُهُ، يَا
عَلِيُّ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ … إِذَا وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا، وَ إِذَا
اؤْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، وَ إِنْ تَكَلَّمُوا صَدَقُوا… لَا يُؤْذُونَ
جَاراً وَ لَا يَتَأَذَّى بِهِمْ جَارٌ”[1]…

إنّ المدينة الفاضلة التي يُصورها
الإسلام ويطلبها هي عبارة عن مجتمع يكون مواطنوه على هذه الشاكلة من الأشخاص.
وسيكون حال هكذا اجتماع إنساني ممتلئ بسلامة الذهن وراحة البال والهدوء الاجتماعي
ورغد العيش. بالإضافة إلى ذلك لن يحصل نزاع وخصومة بين أفراد هذا المجتمع على حقوق
قد ضاعت أو تم التعدّي عليها.

– قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:”أَلَا
أُنَبِّئُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ، مَنِ ائْتَمَنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَ أَمْوَالِهِمْ؛ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْمُسْلِمِ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ”[2].

هذا وطبقاً لرؤية رسول الله ص , فإنّ
محورية القيم والعمل الصالح مع الناس, وراحتهم في أعمالهم, قد جُعل أعظم من الجهاد
في سبيل الله سبحانه. يقول أبو ذر خلال سؤاله وجواب النبي ص :- “فَقُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ
الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَاناً؟ قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً. قُلْتُ
فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ
وَ لِسَانِهِ”[3].

 

 

 

في المقابل لقد نُقل عن رسول الله ص
في حقّ أسوأ الناس:

– رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه و
آله أنهُ قَالَ: “أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى
يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَنْ أَبْغَضَ النَّاسَ وَ أَبْغَضَهُ النَّاسُ. ثُمَّ
قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ. قَالَ: الَّذِي لَا يُقِيلُ عَثْرَةً، وَ لَا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً، وَ
لَا يَغْفِرُ ذَنْباً. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَنْ لَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ ، وَلَا
يُرْجَى خَيْرُهُ”[4].

– قال رسول الله: “إِنَّ شَرَّ
النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ
اتِّقَاءَ شَرِّهِ”[5].

كما أنّ المجتمع الذي يلتزم مواطنوه
بالعلاقات الاجتماعية وفق تعاليم القرآن الكريم حيث يقول{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[6]، أو
الآية {قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْميزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ}[7] سيكون
مليئاً بالمحبة والإلفة, وخالياً من أيّ خصومة ونزاع وتحاكم. ولو حصل أن وقع
النزاع وتمّ التحاكم, فلأنّ أفراد هذا المجتمع قد التزموا بالعمل وفق آيات القرآن
الكريم كما يقول الله سبحانه{يا أَيُّهَا الَّذينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى‏
أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبينَ}[8]  فلن يكون حل الخلاف وإحقاق حق صاحب الحق صعباً
ومعقدّا.   

 

والحمد
الله رب العالمين

[1] أمالي الصدوق؛ ص547.

[2] محاسن البرقي؛
ج1، ص 285.

[3] إرشاد القلوب
للدیلمي؛ ج‏1، ص139.

[4] من لا يحضره الفقيه؛ ج4، ص400.

[5] صحیح البخاري؛ ح5540.

[6] سورة المائدة, الآية 1.

[7] سورة الأعراف, الآية 85.

[8] سورة النساء, الآية 135.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment