بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی
الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 17

الفضیلة
الرابعة عشر: عفة النفس

– “أنْفُسُهُمْ عَفیفَةٌ”.

من فضائل أهل التقوى التي وردت في كلام
أمير المؤمنين ع عفتهم. وينبغي الإشارة إلى عدّة أمور في هذا الصدد:

1-
معنى العفة وعلاقتها بالحجاب

العفة
تعني الطهارة, والرجل والمرأة العفيفان هم من يصونون أنفسهم عن الحرام. ولا شكّ
ولا ترديد أنّ الستر والحجاب بالنسبة للنساء والرجال أمر واجب بعنوانه حكماً إلهياً,
حيث يضمن سلامةَ العلاقات الإجتماعية, وتثبيت الروابط العائلية, وإرساء العفة بين
الناس في المجتمع, ومع ذلك لا ينبعي الخلط بين الحجاب والعفة. فلا يلزم أن يكون
الشخص المراعي للحجاب عفيفاً, أو التارك للحجاب غير عفيف. فكم يتفق للكثير من
الرجال والنساء الملتزمين بالستر والحجاب أن يكونوا بعيدين عن العفة, والعكس
بالعكس فكم يتفق أن يكون الكثير من الأشخاص التاركين للستر والحجاب الواجب
أعفّاء.  

طبعاً
لا ينبغي الاشتباه بأن يُقال أنّ الحجاب أو العفة مطلوب لوحده فقط. كلا, فالحجاب
والستر للرجال والنساء لازم وواجب إلهي وديني وكذلك العفة مطلوبة وواجبة.

2.
مراتب العفة

العفّة, الحياء والطهارة تنطوي على مرتبتين: عفّة الظاهر وعفّة الباطن.

عفّة
الظاهر

المقصود
من عفة الظاهر أن تكون أعضاء وجوارح بدن الإنسان طاهرة وعفيفة, فلا يذهب إلى أيّ
مكان, ولا يأتي بأيّ فعل, لا يقول الفحش ولا ينظر إلى الحرام, وبالتالي لا يضع
نفسه في مواطن الحرام والفسق والفجور. إنّ هذه المرتبة سامية ورفيعة, ويتحدث
القرآن الكريم في سورة المعارج عن أوصاف المصلّين الذين يكونون عند الله من
المصلّين وتكون صلاتهم مقبولة لديه عندما يقول: 

– {الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ؛ إِلَّا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[1].

وقد
ورد نفس هذا التعبير في سورة أخرى من القرآن الكريم[2]
في ذكر أوصاف المؤمنون الذين يعدّهم الله مؤمنين حقيقةً, وقد قبل إيمانهم.

يقول
أمير المؤمنين ع في حقّ الناس الأعفّاء:


“مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً
مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ؛ لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ
الْمَلَائِكَةِ”[3].

3-
عفة الباطن

أمّا
عفّة الباطن فهي أن ينأى الإنسان بفكره وعقله عن الحرام والفسق والفجور. فقط جاء
في الخبر عن عيسى ابن مريم عليه السلام:


“يا بني إسرائيل, زعمتم أنّ موسى نهاكم عن الزنا وصدقتم, وأنا أنهاكم عنه
وأحدثكم أنّ مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت, إلاّ تحرقه, فإنّه
ينتن ريحه ويغيّر لونه, ومثل القادح بالخشبة, إلاّ يكسرها فإنّه يعجرها ويضعفها”[4].

ينقل
أحد أصحاب رسول الله ص أنّ رجلاً جاء إلى النبي ص وسأله عن عدّة أمور, ومن
جملة ما سأله عنه قال له: “…. أحب أن يُوسَّع عليّ في الرزق”،
فقال له النبي ص : “دم على الطهارة يوسع عليك في الرزق”[5].

بناءً
على ما ذكره النبي الأكرم ص فإنّ المحافظة والمواظبة على الطهارة تبعث على زيادة
وتوسعة الرزق. وعليه يمكن القول أنّ حفظ طهارة الظاهر والبقاء على الوضوء له أثره
في توسعة الرزق وسيأتي بالمزيد من الرزق الظاهري, كما أنّ المحافظة على طهارة
وعفّة الباطن ستستوجب الزيادة والتوسعة في الرزق الباطني أيضا.

عند
الموت سيتلاشى الحجاب الذي كان ساتراً للأشخاص وسيذهب كل شخص مع باطنه إلى عالم ما
بعد الموت ويُحشر على هذه الحالة. فكم هناك من الأشخاص الذين كانوا يصطنعون ظاهراً
مخادعاً في الدنيا بشكلٍ كبير في الوقت الذي كانوا فيه أشخاصاً على مستوى عالٍ من
الكمال والعفّة والأدب والإحترام في أعين الناس, ولكن بعد الموت ستظهر صفحة باطنهم
جلية وواضحة وستُعرف شخصيتهم الواقعية على حالها.

يقول
القرآن الكريم حول يوم القيامة:

– {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ؛ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ
وَلَا نَاصِرٍ}[6].

والحمد الله ربّ العالمين

 

 

[1] سورة المعارج:الأية ۲۹-30.

[2]  سورة
المؤمنون:الآية 5-6.

[3]  نهج البلاغة: الحکمة 474.

[4] تاريخ مدينة دمشق, ج 47, ص 465.

[5] کنز
العمال؛الجزء 16، الحدیث 44154.

[6] سورة الطارق, الآية 9 –
10.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment