بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 20

الفضیلة السابعة عشر: قيام الليل

– “أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ
أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً”.

تشتمل هذه العبارة الواردة عن أمير
المؤمنين ع على فضيلتين من فضائل أهل التقوى: إحياء الليل, وتلاوة القرآن.

أهمية قيام الليل

لقد تمّ التأكيد كثيراً في الآيات
والروايات وكلام العرفاء وأدبائنا على قيام الليل والخلوة مع الله. ومع أنّ
العبادة في الليل من المستحبات المؤكدة إلاّ أنّها تحتاج إلى توفيق من الله عزّ
وجل للإتيان بها. فلا تجد إنساناً وصل إلى كمال الإنسانية والقرب من الله إلّا وقد
انصهر في المناجات والخلوة في الليل مع الله. 

يقول المرحوم العلامة الطباطبائي عندما
تشرّفت بالقدوم إلى النجف الأشرف لتحصيل العلوم الدينية, كنت أتردّد بين الفينة
والأخرى على المرحوم القاضي الطباطبائي الذي تربطني به قرابة رحمية, وذات يوم كنت
واقفا أمام المدرسة ومرّ المرحوم القاضي من هناك. وعندما اقترب منّي وضع يده على
كتفي وقال لي: ” يا بني, إن أردت الدنيا فعليك بصلاة الليل, وإن أردت
الآخرة فعليك أيضاً بصلاة الليل”.

إنّ إحياء الليل والمناجاة والدعاء
والابتهال مع الله ليس مختصاً بالمسلمين وحسب, بل وبالعودة لجميع الأديان الإلهية
فإنّ الخلوة مع الخالق تُعدّ من السنن المحبوبة والمرغوب بها. يقول القرآن الكريم
حول هذه المسألة:

– {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ
يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ؛ يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}[1].

لقد سمعنا كثيرا عن إحياء أمير
المؤمنين ع لليالي بالبكاء ومناجاته مع الله. وبالعودة إلى بيان القرآن الكريم
فإنّ أحد أوصاف عباد الرحمن الذين يراهم الله متصفين بالعبودية له أنّهم مواظبون
على قيام الليل والصلاة والسجود فيه:

– {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا؛ وَالَّذِينَ
يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[2].

لا يعدّ القرآن الكريم التهجد وقيام
الليل من صفات أهل التقوى والجنة وحسب, بل يرى أنّ السبب في دخولهم الجنّة هو نفس
هذه الخلوات والمناجات في الليل ويقول:

– {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ؛ آخِذِينَ مَا
آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ؛ كَانُوا
قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ؛ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[3].

إنّ التهجّد وصلاة الليل والقيام في
الليل من المستحبات المؤكدة المباركة التي تمّ التأكيد عليها للمؤمنين, وكانت
واجباً شرعياً على رسول الله ص . فالله سبحانه وتعالى يذكر في آيات القرآن الكريم
أمره للرسول الأكرم ص بقيام الليل والعبادة فيه عندما يقول:

– {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى
أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[4].
 

كان
رسول الله مواظباً على قيام الليل والخلوة مع الله حتّى قبل بعثته للرسالة
الإلهية, وقد ذكر الله سبحانه في الآيات الأولية من القرآن الكريم اكتفاء النبي ص
بقيام قسم مقدار من الليل:

– {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؛ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا
قَلِيلًا؛ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا؛ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا؛ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا؛ إِنَّ
نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا؛ إِنَّ لَكَ فِي
النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا؛… إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى
مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ
}[5]…

لقد
بيّنت هذه الآيات أنّ رسول الله ص كان غارقاً في مناجاة العشق مع الله.

والحمد الله رب العالمين

 

 

[1]  سورة
آل عمران: الآية۱۱۳-114.

[2]  سورة
الفرقان: الآية 63-۶۴.

[3]  سورة
الذاریات: الآية 15-۱۸.

[4]  سورة
الإسراء:الآية ۷۹.

[5]  سورة
المزمل:الآية ۱-7 .

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment