بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتقين 21

الفضیلة
الثامنة عشرة: تلاوة القرآن

– “أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ
أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً”.

تشتمل
هذه العبارة الواردة عن أمير المؤمنين ع على فضيلتين من فضائل أهل التقوى: إحياء
الليل, وتلاوة القرآن.  وقد تكلمنا الأسبوع
الفائت عن فضيلة قيام الليل, واليوم سنشير إلى فضيلة تلاوة القرآن.

تلاوةالقرآن

لقد
وردت تأكيداتٌ عديدةٌ في القرآن الكريم وكلام النبي وأهل البيت عليهم السلام في
خصوص قراءة القرآن والتدبر في آياته. فالمداومة على قراءة القرآن تستوجب أنس
الإنسان بكلام الله سبحانه وتحصيل البركات الدنيوية والأخروية الكثيرة. هذا
ولأهمية هذا الموضوع عند الأئمة عليهم السلام, أكدّوا على النظر إلى آيات القرآن الكريم
حيث إنّه يستوجب الأنس بهذا الكتاب المقدس وذلك لمن لا يتمكّن من قراءة القرآن.
وبالعودة إلى الأمر بقراءة القرآن نجد أنّه قد وُجّه الأمر بتلاوة القرآن إلى
الرسول الأكرم ص في الدرجة الأولى حيث جاء في الآية الكريمة:

– {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى
مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}[1].

كذلك
يُبيّن الله سبحانه للنبي وظيفته في خصوص تلاوة القرآن والتي يجب عليه توضيحها
للناس:

– {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ
الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ؛ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي
لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}[2].

هذا وقد أكدّ القرآن مراراً في خطابه للمسلمين على دوام
قراءة القرآن. ونرى هذا الأمر جلياً في آخر آية من سورة المزمّل حيث تكرّر الأمر
مرتين بقراءة القرآن للإنسان بالمقدار الذي يتكون ممكناً له:


{… فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ … فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنْهُ…}[3].

كما
وقد أمر القرآن الكربم جميع المسلمين بقراءة القرآن والتدبر فيه وفهم ما يُريده
الله, لا بل ذمّ من لم يتدبّر في القرآن ويدقّق في فهم
معانيه عندما قال:

– {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا}[4].

لقد
ذمّ  الإمام الصادق ع في الرواية الواردة
عنه الأشخاص الذين تقف انشغالاتهم مانعاً أمام قراءتهم للقرآن. ففي منطق أهل البيت
ع لا بدّ لكلّ إنسان أن يقرأ في كلّ يوم مقداراً معيناً من آيات القرآن ويتدبّر
فيها. يقول الإمام الصادق ع :

– “مَا يَمْنَعُ التَّاجِرَ مِنْكُمُ الْمَشْغُولَ فِي
سُوقِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَنْ لا يَنَامَ حَتَّى يَقْرَأَ سُورَةً
مِنَ الْقُرْآنِ فَتُكْتَبَ لَهُ مَكَانَ كُلِّ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا عَشْرُ
حَسَنَاتٍ وَيُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ”[5].

 

فرق
تلاوة القرآن عن قراءة القرآن

لقد
ورد التعبير في آيات القرآن الكريم عن قراءة القرآن تارة بالقراءة وأخرى بالتلاوة.
وفرق معنى التلاوة عن القراءة أنّ القراءة تكون بمعنى المطالعة وغالباً تكون
بالمرور على الصورة الظاهرية للآيات, أمّا التلاوة فبالإضافة إلى قراءة ظاهر
الآيات فإنّها تشتمل على التفات الشخص إلى المعاني والمفاهيم والمصاديق والأوامر
والنواهي حالة قراءة الكلام الإلهي, وكأنّه يعيش حالة نزول الآيات عليه في نفس
اللحظة.

الترتیل
في القراءة

لقد
تمّ الحديث في القرآن الكريم مراراً عن الترتيل فيه, فقال الله للنبي {رَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[6],
هذا وبالرجوع إلى كلام أمير المؤمنين ع في ذكره لأوصاف المتقين فإنّه يذكر
الترتيل للقرآن بدل القراءة. يقول أمير المؤمينن ع قي تفسيره لهذه الآية وتعريف
الترتيل لقراءة القرآن: 

– “بَيِّنْهُ تِبيَاناً وَلَا تَهُذُّهُ هَذُّ الشِّعْرِ،
وَلَا تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ، وَلَكِنْ إفزَعُوا قُلُوبَكُمُ الْقَاسِيَةِ،
وَلَا يَكُنْ هَمُّ أحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ”[7].

اختلاف
تأثیر قراءة القرآن على الأشخاص

بالرجوع
إلى الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام نرى بأنّه قد تمّ مدح القرّاء
والتالين للقرآن:

– “أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي قِرَاءَةُ القرآنِ”[8].

 

كما
تمّ ذمّ القرّاء والتالين للقرآن في مواضع أخرى في هذا القبيل من الروايات:

– “أكْثَرُ مُنَافِقِي هَذِهِ الأمَّةِ قُرَّاؤهَا”[9].

– “رُبَّ تَالٍ لِلْقُرْآنِ وَ القُرْآنُ يَلْعَنُهُ”[10].

ما
هو الاختلاف بين من يقرأ القرآن؟ وكيف يتفق أن يكون بعض قرّاء القرآن منافقين
والقرآن يلعنهم والبعض الآخر يصلون إلى درجة المتقين من خلال قراءتهم للقرآن؟

إنّ
الاختلاف يرجع إلى ما يشير إليه القرآن حيث يقول:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ
مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا
خَسَارًا}[11],
فالاختلاف يكون في التعلق الروحي مع القرآن. ومن المسلّم أنّ من يسعى للاستفادة من
معارف القرآن, وتحصيل الإجابة على الأسئلة الفكرية وحاجاته المعيشية من القرآن,
ويسعى أيضاً للوصول إلى ما يريده الله من الآيات القرآنية, فهكذا شخص يختلف عمّن
يأخذ قراءة القرآن فقط من أجل المنافع الدنيوية والتفاخر على الآخرين.

وعليه
فمن يسعى وراء فهم ما يريده الله من آيات القرآن الكريم سيصل إلى الهداية والسعادة
من خلالها, كما أنّ من يسعى لحرف الاستفادة من الآيات القرآنية عن مكانها الصحيح,
فسيكون نفس هذا التعلّق بالقرآن سبباً لضلاله وشقائه. يقول أمير المؤمنين ع :

– “ألا لَاخَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ،
ألا لَاخَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّرٌ”[12].

والحمد لله رب العالمين

[1]سورة الإسراء:
الآية ۱۰۶.

[2] سورة النمل: الآية۹۱-92.

[3] سورة المزمل:الآية 20.

[4]سورة
محمد:الآية ۲۴.

[5] الکافي، ج2، ص447.

[6] سورة المزمل:الآية 4.

[7] الکافي، ج2، ص614.

[8] إحیاء علوم الدین، الباب الأول.

[9]نفس
المصدر.

[10] نفس المصدر.

[11] سورة الإسراء:الآية ۸۲.

[12] الکافي، ج1، ص36.

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment