صلاة الجمعة

بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتقين 23

الفضیلة العشرون: الحلم والعلم

– “وَأَمَّا النَّهَارَ
فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ، أَبْرَارٌ أَتْقِیَاءُ”.

يعدّ أمير المؤمنين ع الحلم والعلم
الفضيلة العشرين لأهل التقوى.

أهمية الحلم والعلم

فالحلم يعني السيطرة على الذات حتّى لا
يصل الإنسان لحالة الغضب. يقول أمير المؤمنين ع حول لزوم وأهمية الحلم:

– “إنْ لَمْ تَکُنْ حَلیمَاً
فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ إِلاّ أَوشَکَ أَنْ یَکُونَ
مِنْهُم”[1].

وقد وردت روايات عن الإمام الصادق ع
أيضاً في التأكيد على أهمية الحلم والصبر من قبيل:

– “مَا مِنْ جُرْعَةٍ یَتَجَرَّعُهَا العَبْدُ أحَبُّ إلَی
اللّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَیْظٍ یَتَجَرَّعُهَا عِنْدَ تَرَدُّدِهَا فِی قَلْبِهِ
إمّا بِصَبْرٍ وَ إمَّا بِحِلْمٍ”[2].

– “الْمُؤمِنُ خَلَطَ عَمَلُهُ بِالْحِلْمِ”[3].

وبالرجوع إلى صفة الحليم فإنّها من
الصفات الإلهية, والله سبحانه قد وصف نفسه في آياتٍ متعددة بهذه الصفة مثل قوله
تعالى {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى
وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}[4]
.

إنّ معنى مفردتي الصبر والحلم قريب من
بعضهما الآخر. فحياة الإنسان في هذه الدنيا مليئة بالمشاكل العجيبة التي إذا تمكّن
من الوقوف قبالها وقاسى وتحمّل سينجح لا محالة, وأمّا إذا لم يصبر وخضع أمام هذه
المشاكل فلن يفلح في الوصول إلى هدفه أبداً. فالمقصود من الحلم والصبر هو الوقوف
في قبال المشاكل والحوادث المختلفة والتي يقابلها الجزع والإحباط بمعنى الخضوع
والتسليم أمام المشاكل.

لقد ورد في القرآن الكريم ما يقارب
المئة آية تتحدّث عن الصبر, في الوقت الذي لم تحظَ أيّ فضيلة إنسانية بهذا الحجم
من التأكيد. وهذا يُدلّل على أنّ القرآن قد أعطى اهتماماً خاصّاً للصبر بالإضافة
إلى إيفاء الصابرين أجراً كبيرا حيث يقول: 

– {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[5].

لقد عُدَّ الصبر والاستقامة مفتاحاً
للدخول إلى الجنّة, هناك حيث يقول بأنّ الملائكة تأتي لاستقبال الوافدين على باب
الجنّة وتقول لهم:{سَلامٌ عَلَیکمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ}[6].

كما وطلبت من المؤمنين أن يتحلّوا
بالصبر وأن يقوموا بدعوة بعضهم الآخر للصبر أيضاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ}[7].

وأن يستعينوا بالصبر{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ}[8].

هذا وقد تمّ التوصية بالصبر وعدّه من
الأمور التي تستوجب عدم الخسران في الحياة{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ؛
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[9].

فالإنسان بدون الصبر والتحمل لا يصل
إلى نتيجة إيجابا, وكما ولن يكون قادراً على الوقوف في وجه المصائب والآفات
والظروف السيئة. ولهذا السبب فإنّ المفتاح الأصلي للنجاح هو الصبر والتحمل.الحلم المقرون بالعلم

يعدّ أمير المؤمنين ع الحلم من صفات
العالم الحقيقية ويقول:

– “یا طالب العلم إن للعالم
ثلاث علامات: العلم، والحلم، والصمت؛ وللمتکلف ثلاث علامات: ینازع من فوقه
بالمعصیة، ویظلم من دونه بالغلبة، ویظاهر الظلمة”[10].

إنّ الإنسان العالم يواجه الإهانة
والكلام السيء والتصرف الجارح للآخرين بالهدوء والوقار, ذلك أنّ التوهين والكلام
القبيح لا يصدر إلّا من الإنسان الجاهل وعلى حدّ تعبير القرآن {وَعِبَادُ
الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[11].

يقول الإمام الصادق علیه السلام:

– “اطلبوا العلم وتزینوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن
تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولاتکونوا علماء جبارین فیذهب باطلکم
بحقکم”[12]. 

والحمد الله رب العالمين

 

 

 

[1]  نهج البلاغه، الحکمة 207.

[2]  الکافي،
ج 2 ، ص111.

[3]  الکافي،
ج 2، ص111.

[4]  سورة
البقره: الآية ۲۶۳.

[5]  سورة
الزمر: الآية۱۰.

[6]  سورة
الرعد: الآية 24.

[7]   سورة
آل عمران:الآية 200. 

[8]  سورة
البقرة:الآية 153.

[9]  سورة
العصر:الآية ۲-3.

[10]  الکافي، ج 1، ص37.

[11]  سورة
الفرقان: الآية ۶۳.

[12]  بحار
الأنوار، ج 2، ص 41.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment