صلاة الجمعة

بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتقين
24

الفضيلة الحادية والعشرون :إحسان
المتّقي

وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ،
أَبْرَارٌ أَتْقِیَاءُ

الإحسان
المصحوب بالتقوى هو الفضيلة الحادية والعشرون التي عدّها أمير المؤمنين عليه
السلام للمتّقين. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله واصفاً الأبرار والمحسنين:

–       
اَمّا
عَلامَةُ البارّ فَعَشرةَ: يُحِبُّ فِى اللّهِ وَ يُبْغِضُ فِى اللّهِ وَ
يُصاحِبُ فِى اللّهِ وَ يُفارق فِى اللّه و يَغْضِبُ فِى اللّه و يَرضى فِى اللّه
و يعملُ لِلّه و يطلُبُ اليه وَ يَخْشَعُ خائِفاً مَخُوفاً طاهِراً مُخْلِصاً
مُسْتَحْيِياً مُراقِباً وَ يُحْسِنُ فِى اللّه تحف العقول، صفحه 23

وقد عُرّف البرّ بنشر الخير حيث يتمحور مفهومه حول “حسن
العمل مقارنةً مع الغير”، وقد يختلف هذا المعنى بحسب الشخص والموضوع
والمصاديق؛ فبِرُّ الله بعباده يعني اللطف بهم والإحسان إليهم والعفو عن
سَقَطاتهم؛ وبرّ العبد لربّه يعني هو الطاعة وأداء فرائض العبودية.

و
برّ الوالد بأولاده هو تربيتهم وتأمين حياتهم وحوائجهم؛ بينما برّ الولد بأبيه هو
خدمته و التواضع له والرأفة به.

البِرّ و التقوى

وردت مفردة “البرّ” أو أحد مشتقاتها في
القرآن الكريم إلى جانب مادة “التقوى”، وقد عدّ بعض المفسرين
هاتين الكلمتين ذات معنى واحد؛ بينما اعتبر البعض الآخر أنهما مختلفتان لكن تكمّل
كل و احدة منهما معنى الأخرى؛ بعبارة أخرى يشمل البرّ الأمور الإيجابية من قبيل
العمل الصالح، الطاعة، سعة الإحسان والقيام بالأوامر الإلهية، بينما تشمل التقوى
الأمور السلبية من قبيل البعد عن المعاصي و مخالفة هوى النفس واجتناب العذاب
الإلهي.

الحقيقة أن البرّ والتقوى يختلفان من ناحية المفهوم ولكن
يتّحدان من ناحية التطبيق، لأن مصداق مثال كل واحد منهما هو بعينه مصداق للآخر
والعكس صحيح. فتشمل التقوى إذن كل مصاديق البرّ، لكن عندما يجري استخدام هاتين
المفردتين معاً، يشير البرّ إلى الجانب الإيجابي بينما تشير التقوى إلى الجانب
السلبي.

 

الأبرار في القرآن

يعدّ
مفهوم البرّ في القرآن الكريم من أعم المفاهيم الأخلاقية و خاص بالأفعال
الإختيارية، وقد جاء تفصيل المفهوم القرآني للبرّ والأبرار في هذه الآية الكر يمة:

–       
لَيْسَ
الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ بقره:۱۷۷

حيث
تشتمل أوصاف الأبرار في هذه الآية على ثلاث مستويات: العقيدة، الأخلاق والعمل. فقد
بيّن الله سبحانه وتعالى في كلامه المجيد إذن أن البرّ هو الإيمان والإحسان في
العبادات والمعاملات.

عقائد الأبرار

إنّ
أجلَّ شأن من شؤون الإنسان هو عقيدته، ومن هذا المنطلق يبدأ القرآن بنفي المصاديق
الوهمية والخاطئة للبرّ ثم بعدها يصف معتقداتهم، ثم بعد ذلك ينتقل من تعريف البرّ
إلى تعريف الإنسان البار ووصفه، وفي هذا إشارة إلى أنه لا قيمة ولا فضل للمفاهم
الفارغة من المصداق والحقيقة، كما يشير هذا الأسلب القرآني إلى أن الإحسان يخالط
روح المحسن بحيث يصبح العامل والعمل شيئاً واحداً.

وقد بيّنت الآية عقائد
المؤمنين على النحو الآتي:

1.    
الإیمان
بالمبدأ و المعاد: ﴿ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ في بيان صفات الأبرار،
بدأ الله تعالى بالإيمان بالله واليوم الآخر، والسبب في ذلك هو أن الإيمان سبب كل
برّ ومبدأ كل خير، لكن لا يكون الإيمان سبباً للبرّ ما لم يكن مصحوباً بالبرهان
الذي يرسّخه في نفس الإنسان لكي يؤدي إلى حالة خضوع وإذعان.

2.     الإیمان بالملائكة: ﴿وَالْمَلائِكَةِ ﴾ الملائكة هم واسطة الفيض الإلهي ومدبرو
الأمور بإذنه تعالى؛ وعليه يعدّ الإيمان بهم نوعاً من الشكر الواجب لواسطة النعمة،
في حين أن شكر الله عز و جل سببه أنه أصل النعم.

3.    
الإیمان
بالكتب والرسالات السماوية: ﴿وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ ﴾ والمقصود بهذا العبارة هو الإيمان برسالة جميع أنبياء الله
وكتبهم السماوية، وهذا يعني  وجوب اتّباع
هداهم، وسرّ إيمان المؤمنين والمتقين وخاصة الأبرار بجميع الرسل والكتب هو أن كل
شرائعهم واحدة من ناحية الأصول والخطوط المعرفيّة العريضة.

أخلاق الأبرار

1.    
الصدق: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ الأبرار صادقون في
إيمانهم فهم ذوو إيمان راسخ بأصول الدين الخمسة، وينفقون أموالهم في ستة موارد كما
جاء في الآية، و يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و يوفون بعهودهم الثلاثة، ويصبرون في
ثلاثة مواضع البأساء، الضراء، حين البأس .

2.    
التقوى:
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ الأتقياء
الحقيقيون هم الذين يقومون بواجباتهم العبادية والإجتماعية ويصمدون في مواجهة
أعداء الدين. والأبرار المؤمنون بعقائدهم الدينية، ينفقون أموالهم لمساعدة
المحتاجين.

3.    
الوفاء: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ﴾
الوفاء بالعهد المذكور في الآية مطلق و شامل لكل تعهد والتزام وعقد، ولكنه لا يشمل
الإيمان والإلتزام بأحكامه بقرينة جملة ﴿إِذَا عَاهَدُواْ﴾؛ إذ أن الإلتزام
بالإيمان ومتطلباته غير مقيّد بزمن معيّن.

4.    
الصبر: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ
الْبَأْسِ ﴾ الصبر والوفاء خُلُقان يقتضيان السكون الصبر والحركة الوفاء ، ولا يشتملان على كل الفضائل الأخلاقية؛ لكنهما مقدّمة لتحقق
الفضائل الأخلاقية الأخرى.

والحمد
الله رب العالمين

 

 

 

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment