صلاة الجمعة

بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتقين 25

الفضيلة الثانية والعشرون: نحافة
البدن

– “قَدْ
بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ”.

إنّ ما يُبينه أمير المؤمنين ع من
كون نحافة البدن فضيلة للمتقين ليس بمعنى ضعفهم وعجزهم. وقد ذكرنا سابقاً أنّ
الضعف ليس بفضيلة حتّى ينعت أمير المؤمنين ع بها أهل التقوى. يقول النبي الأكرم
ص :

– “المُؤمِنُ
الْقَوِیُّ خَیرٌ وَأحَبُّ إلَی اللّهِ مِن الْمُؤمِنِ الضَّعِیفِ”.

طبعاً العجز المالي والضعف الجسدي
أحيانا يُعدّ نعمة من جهة أنّ الشخص لا يملك القدرة على ظلم الآخرين وسلبهم
حقوقهم.

نعم إذا لم يمتلك الناس القوة فلم يتسبب
بالأذى فإنّها نعمة تستحق الشكر ولكنّها ليست فضيلة. فالذي لا يُبصر يتمتع بنعمة
عدم النظر للحرام لعدم إمكان ذلك له, أو الأخرس فإنّه ينعم بهذه النعمة أنّ لسانه
يبقى بعيداً عن الحرام لعدم مقدرته على ذلك, ولكنّ هذا ليس فضيلة له. أمّا الفضيلة
فتكون ممّن يبصر ولا ينظر نظراً محرّما, أو ممّن يتكلم ولكن لا ينجرّ لسانه إلى
الكذب والغيبة وسائر المعاصي التي يبتلي بها اللسان.

وعليه فالإمام عليه السلام هنا في
مقام بيان فضائل أهل التقوى, ولا ينبغي فهم نحافة الجسد بمعنى العجز والضعف, ذلك
أنّه لا يمكن حساب النحافة أو السمنة فضيلة أو رذيلة.

فالمعنى الصحيح لنحافة الجسد في كلام
أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الفضيلة تكون بمعنى عدم الإفراط في تناول الطعام
وعدم الإعتناء بالجسد بالشكل المذموم. فالإعتناء بالجسد يكون على نحوين: مذموم
وممدوح.

الإعتناء الممدوح بالبدن

لقد أكدّ الإسلام كثيراً على تنمية
القدرات الجسدية من خلال الرياضة والمسابقات الرياضية, وقد خُصّص بحث مستقل له في
الكتب الفقهية. يخبر الإمام الصادق ع عن تشجيع النبي ص لإقامة المسابقات
الرياضية ومشاركته فيها عندما يقول:

– “إنَّ رَسُولَ اللّهِ
سَابَقَ بَیْنَ الْخَیْلِ وَ أعْطَی السَّوَابِقَ مِنْ عِنْدِهِ”.

يرى أمير المؤمنين ع أنّ إجهاد
الجسد غير لازمٍ ومقبول ويقول:

– “إنَّ
نَفْسَکَ مَطِیَّتُکَ إنْ أجْهَدْتَهَا قَتَلْتَهَا وَإنْ رَفِقْتَ بِهَا
أبقَیْتَهَا”.

الإعتناء المذموم بالبدن

يستعمل اصطلاح الاعتناء بالبدن عادة
في هذا القسم. فالرفق الزائد بالبدن وعدم تحمل الصعوبات اللازمة من أجل الوصول
للأهداف السامية وبلوغ السعادة تُعدّ من مظاهر الاعتناء المذموم بالبدن. وقد عُدّ
هذا القسم من الاعتناء بالبدن من الأمور التي أظهر الرسول الأكرم ص قلقه على
المجتمع الإسلامي منها في حديثه عندما قال:

– “ثَلاثٌ أَخَافُهُنَّ عَلَى
أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي الضَّلالَةُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَمَضَلاَّتُ الْفِتَنِ
وَشَهْوَةُ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ”[1].

– “أَكْثَرُ
مَا تَلِجُ بِهِ أُمَّتِي النَّارَ الاَجْوَفَانِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ”[2].

فالاعتناء الزائد بالبدن يتلازم مع
كثرة تناول الطعام, وطبقاً لما جاء في القرآن الكريم فإنّ الإفراط في تناول الطعام
يكون مدعاةً لحلول غضب الله عزّ وجل! يقول القرآن الكريم:

– {كُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما
رَزَقْناكُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْكُمْ غَضَبِی وَ مَنْ
یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوى}[3].

إنّ مواجهة هذا الاعتناء المذموم
بالبدن والوقوف قبال اللذات الجسمانية غير الضرورية يُهيّء الأرضية المناسبة
لتقدّم وترقّي الإنسان في مدارج الأخلاق والكمال.

 

والحمد الله ربّ العالمين

 

[1]  الکافي:ج2، ص79.

[2]  الکافي:ج2، ص64.

[3]  سورة طه, الآية81.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment