صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (31)

العلامة الثالثة للمتقين: الإيمان اليقيني

– “وَإِیماناً فِی یَقِینٍ“.

   الإيمان مرتبة أعلى من الإسلام. ويدخل الإنسان للإسلام بأدائه للشهادتين, وتتعلّق به أحكام المسلمين, ولكن ليس كل مسلم مؤمن. يقول القرآن الكريم:

– {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[1].

   إنّ الإسلام هو إقرار باللسان فقط وعمل بالظاهر, ولكنّ الإيمان هو أمر يستقرّ في القلب. فالإيمان هو ما يبعث الأمن والاطمينان في قلب الإنسان ويُهدّأ قلبه. كما أنّ الإيمان يُخلّص الإنسان من الاضطراب والقلق, والحيرة, والإبهام والغموض فيما يتعلّق بمستقبله ومصيره. فالذي يؤمن بمبدأ الوجود وقلبه يعتقد بذلك, ويعلم أن «لا مُؤَثِّرَ فِي الْوُجُودِ إلّا اللّه» لا يعرف القلق والاضطراب طريقاً إلى قلبه.  

   هذا والإيمان له درجات, وكم يتّفق أن يكون الإيمان غير مصحوب باليقين. إنّ أصحاب اليقين قليلون. وأقلّ نعمة قد قسمها الله بين الناس هي اليقين, ولهذا السبب يمكن للناس المؤمنين أن يخرجوا من ربقة الدين ويصبحوا كفّاراً. يقول القرآن:

– {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}[2].

   إنّ اختلاف درجات إيمان الأشخاص وبالتالي تفاضل إيمانهم سيستتبع آثاراً عملية متفاوتة. فلا يمكن انتظار عمل واحد من جميع المؤمنين, وبما أنّ إيمان المتّقين ثابت ومحكم, سيكون عملهم بالتالي صلباً بعيداً عن الضعف. والإيمان اليقيني يستتبع الشجاعة, ولا يدع مجالاً للضعف والترديد أن يستولي على المؤمنين في مقام العمل. ومن هنا ندرك أنّ قوّة وصلابة الأنبياء الإلهيين كانت لأجل هذا السبب أنّ إيمانهم كان مقترناً مع اليقين.

   النبي إبراهيم (ع), ذلك النبي العظيم والأساس لسلسلة الأنبياء الموحدين, ففي زمان نبوته ورسالته ومع أنّه كان نبيّاً مبعوثاً من عند الله طلب من الله علامات توصله لليقين:

– {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[3].

   إنّ يقين أغلب الناس ظاهري وغير حقيقي. يخال لهم أنّهم على يقين في الوقت الذي لا تظهر عليهم علائم اليقين. جميع الناس في الظاهر على يقينٍ بوجود الموت. فلا أحد يتردّد أنّ الموت سيدركه عاجلاً أم آجلا. ولكن ما هو تأثير هذا اليقين على أعماله؟ وبماذا تختلف أفعاله عن أفعال من لا يعتقد بالموت أبدا؟ وعليه هذا اليقين ظاهري, تقليدي وصوري. يرى أمير المؤمنين (ع) أنّ اليقين والإيمان الحقيقي يظهر من خلال علائمه ويقول:

– “الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ، وَ أَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ، وَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ[4].

   وبالعودة إلى هذا الحديث يرى أمير المؤمنين (ع) أنّ أوّل علامة للإيمان الحقيقي هي الصدق, حتّى لو كان يعود بالضرر على الإنسان. فالإنسان المؤمن لا يستعين بالكذب أبداً من أجل الوصول إلى منافعه الخاصة, ولا يتخلّى عن الصدق بحال.

   أمّا العلامة الثانية فهي عدم العجب بنفسه. وعليه الإنسان المؤمن لا يدّعي شيئا لم يأتِ به, ولا يرضى أن يُمتدح بعمل لم يكن قد قام به.

– {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[5].


[1]  سورة الحجرات: الآية 14-15.

[2]  سورة النساء: الآية ۱۳۷.

[3]  سورة البقرة: الآية 260.

[4]  نهج البلاغة، الحکمة455.

[5]  سورة آل عمران: الآية ۱۸۸.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment