صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (34)

العلامة السادسة للمتقین:

“وَقَصْداً فِي غِنًى”.

   الاعتدال والقصد حال كون الإنسان ثريّاً وغير محتاج, أي أنّ الإنسان هو من يتحكم بماله وثروته, لا أنّ ثروته وماله تسلبه اختياره. فامتلاك الكثير من المال لا يستلزم الإسراف. ومن يتحكم بماله وثروته مهما صار غنيّاً لن ينجرّ إلى الصرف الزائد الذي لا طائل منه. يذكر النبي الأكرم (ص) ثلاث صفاتٍ لهلاك الإنسان, وثلاث صفاتٍ لنجاته: 

–  “ثَلاثٌ مُهْلِکَاتٌ وَثَلاثٌ مُنْجِیاتٌ؛ فَأمّا المُهْلِکاتُ فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَویً مَتّبَعٌ،وَإعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ؛ وأمّا المنجيات فخشية الله في السر والعلانية, والقصد في الغنى والفقر, والعدل في الرضا والغضب[1].

إنّ الحفاظ على الاعتدال والقصد حال الغنى وعدم الحاجة لهو أمر مشكل وعظيم عند المتقين. وبالرجوع إلى تعبير القرآن الكريم فإنّ طبيعة الإنسان تصل للطغيان عند الشعور بعدم الحاجة والعوز, حتّى لو لم يكن الشعور لعدم الحاجة واقعي والإنسان كان محتاجا ًحقيقة, بيد أنّ نفس شعوره بعد الحاجة يقوده للطغيان والجموح: 

}كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى؛ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى{[2]

إنّ طغيان الإنسان نتيجة الشعور بعدم الحاجة يدعو للقلق, ولذلك يُؤكدّ العديد من أساتذة الأخلاق على أنّ الفقر والحاجة المادية أفضل لسعادة الإنسان ويقولون: “فلنطلق القول بأنّ الفقر لکافّة الخلق أصلح!”[3].

ومن المؤكدّ أنّ التوزيع الصحيح للثروة يجعل الغنى في المجتمع أمراً استثنائيّاً ونادرا, ويذهب بالغنى وآفاته النفسية جانبا, لذلك فإنّ التوزيع العادل والصحيح للثروة وظيفة ملقاة على عاتق مسؤولي الدولة, من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية واستفادة جميع المواطنين من الخدمات العامة, بالإضافة إلى تحصيل المكارم الأخلاقية والابتعاد عن الرذائل الشخصية والاجتماعية.

فالمتقون بالوقت الذي هم مقتدرون وأغنياء يكونون معتدلين ومقتصدين, وفي الوقت الذي هم فقراء ومحتاجون يكونون عفيفين وشرفاء. يخال للبعض أنّ السعي من أجل تحصيل الثروة هو أمر مخالف للدين ورفعة الإنسان, إلى الحدّ الذي يقول فيه الغزالي في إحياء علوم الدين: ” إنّ طلب الرزق للمؤمنين قبيح”.  

وبالرجوع إلى منطق الإسلام فإنّ طلب الرزق الحلال لتأمين احتياجات الحياة أمر لازم ومطلوب. وقد وصلت روايات عديدة عن أهل البيت والنبي الأكرم عليهم السلام في الترغيب على طلب الرزق والرزق الحلال. ومن جملة ذلك ما يُنقل عن رسول الله (ص) أنّه قال:

– “الكادُّ على عِيالِهِ كالمُجاهِدِ في سبيلِ اللّهِ[4]

– “إنَّ اللّهَ تعالى يُحِبُّ أن يَرى عَبدَهُ تَعِباً فيطَلَبِ الحَلالِ[5]

إنّ أهمّ شيء في كسب الرزق هو الالتفات إلى حلية الكسب والعمل. ومن يسعى وراء الرزق الحلال فليطمئن أنّ الله سيكفيه رزقه. عليه أن يُجدّ ويعمل, ولكن عليه أن يطلب الرزق من الله مع العمل والسعي. هذا ومن يتوكل على الله في السعي للكسب الحلال لن يصل به الحال أبداً للقلق والاضطراب النفسي, لأنّه على يقين أنّ رزقه من طريق الحلال سيصله. لقد علّمنا أهل البيت (ع) في أدعية شهر رمضان المبارك أن نطلب من الله تعالى:

– “اللَهُمَّ إنِّي أَسْأَلُکَ إیمَانًا تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي، وَیَقِینًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ یُصِیبَنِي إلَّا مَا کَتَبْتَ لِي، وَرَضِّنِي مِنَ الْعَیْشِ بِمَا قَسَمْتَ لِي[6].

إنّ التكسّب من خلال العمل الحرام ينطوي على سوء الظن بالله سبحانه وتعالى. أليس الله بقادرٍ على أن يرزقني من الطريق الحلال ولا أكون مجبوراً على التكسّب من الحرام؟ يجب على الإنسان أن يُكرّر وبشكلٍ دائم مضافاً للكدّ والسعي والعمل دعاء أمير المؤمنين (ع) المنقول عن النبي (ص) ويطلب من الله: 

اللَّهمَّ أغْنِني بحلالِكَ عَن حَرَامِكَ، وَبِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ[7]

والحمد الله ربّ العالمين


[1]  الطبراني في الأوسط.

[2]  سورة العلق:الآية 6-7.

[3]  الغزالي: إحیاء علوم الدین، کتاب الفقر و الزهد.

[4]  بحار الأنوار: 103/13/59.

[5]  كنز العمّال : 9200.

[6]  مفاتیح الجنان: دعاء أبو حمزة الثمالي.

[7]  الأمالي للصدوق،ص 388.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment