صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (38)

العلامة العاشرة للمتقین:

– “وَطَلَباً فِي حَلَال“.

   إنّ عبارة “طلباً في حلال” تُدلّل على أنّ المتقين هم أشخاص يعيشون ويدأبون في السعي لتحصيل أمور معاشهم ويساهمون في تقدّم المجتمع الإسلامي, وعليه فلا ينأون جانباً وليسوا ببعيدين عن النشاطات المرتبطة بالحياة. ومن هنا نخلص إلى أنّهم طالبون للحلال, ولو تحصّل عمل فيه مربحة كبيرة ولكنّه مختلط بالحرام فإنّهم يبتعدون عنه. نقرأ في الحديث الوارد عن النبي الأكرم (ص): “اَلْعِبادَةُ سَبْعُونَ جُزْءاً أفْضَلُها طَلَبُ الْحَلالِ[1].

   يقول القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}[2].

قيمة الرزق الحلال

   يجب على جميع الأشخاص السعي من أجل تحصيل الكسب الحلال طبقاً لما ورد عن النبي الأكرم (ص) والأئمّة الأطهار عليهم السلام, والابتعاد كذلك عن الخمول والكسل وأكل الحرام. وقد أكدّ النبي الأكرم (ص) على هذا الأمر كثيراً في أحاديث عديدة وبعباراتٍ مختلفة:

– “طَلَبَ الحَلالِ فَریضَةٌ عَلی کُلِّ مُسلِمٍ وَ مُسْلِمَةٍ[3].

– “اَلکادُّ لِعِیالِهِ کَالْمُجاهدِ فی سَبیلِ الله[4].

– “إنَّ اللهَ یُبْغِضُ الشّابَّ الفارِغ[5].

   روى ابن عباس قال:”كان رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: هل له حرفة فإن قالوا لا قال: سقط من عيني قيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال: لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه[6].

   عن أنس بن مالك قال: “أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فاستقبله سعد بن معاذ الأنصاري، فصافحه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: “ما هذا الذي اكتفت يداك؟” فقال: يا رسول الله أضرب بالمر والمسحاة في نفقة عيالي، قال فقبل النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: “هذه يد لا تمسها النار أبدا[7].

   بناء على ما تقدّم فالرزق يكون عطاءً من الله تعالى وهو الذي يُقسّم الرزق ويُقدّره {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[8], إلاّ أنّه يجب على الجميع السعي لتحصيل الكسب الحلال, لأّن الله يُقدّر أسباب الرزق بطرقه. وعليه يجب على عباد الله السعي وراء الكسب الحلال وتأمين العمل المناسب لهم.    

أكل الحرام

   لقد جعل الإسلام الإنسان حرّاً في كسبه لرزقه وتحصيله لمتاع حياته, ولكن لم يسمح له بانتهاج مسير في هذا الطريق تفسد فيه أخلاقه, ويودي به في الهاوية أو يُؤدّي للفساد في المجتمع. فكل عمل ينتج عنه ربح للشخص ولكن يستتبع ضرراً على الآخرين أو المجتمع ويُهدّد بالتالي الأمن الاقتصادي وسلامة الأفراد أو المجتمع يُعدّ جرماً وإساءة, ويستوجب بالتالي العقاب الشديد في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

   يقول القرآن الكريم في خصوص ذمّ أكل الحرام والأشخاص المبتلين بذلك:

– {وَتَرَی کَثِیرًا مِّنْهُمْ یُسَارِعُونَ فِی الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَکْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا کَانُواْ یَعْمَلُونَ}[9].

   إنّ أكل الحرام يشمل جميع التصرّفات الغير مشروعة, بدءاً من الطعام والشراب, ووصولاً إلى كل عمل محرم يتعلّق بالمسكن والملبس وغيره, ويمكن أن لا يصرف مالاً, بل يحتجزه لديه ولا يُعطيه لصاحبه. وأكل الحرام يجري في جميع هذه الموارد.

الرزق الحلال

   لقد قدّر الله جلّ وعلا «الرزق الحلال» لجميع المخلوقات. والذين لا يرتدعون عن الكسب الحرام يخال لهم أنّهم لو صرفوا نظرهم عن المال الحرام ستضيق عليهم الحياة بأسرها وسيصبحون محتاجين. يقول الله تعالى:

– {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِی الأَرْضِ إِلاَّ عَلَی اللّهِ رِزْقُهَا وَیَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا کُلٌّ فِي کِتَابٍ مُبِینٍ}[10].

   قال النبي (ص) في سفر حجة الوداع للمسلمين في المسجد الحرام: “إن الروح الأمين جبرئيل أخبرني عن ربي تبارك وتعالى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، واعلموا أن الرزق رزقان، فرزق تطلبونه ورزق يطلبكم، فاطلبوا أرزاقكم من حلال فإنكم آكلوها حلالا إن طلبتموها من وجوهها، وإن لم تطلبوها من وجوهها أكلتموها حراما، وهي أرزاقكم لابد لكم من أكلها[11].

   كذلك نهى الله سبحانه في القرآن المجيد عن الكسب الحرام {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِیثَ بِالطَّیِّب}[12] أي لا تُسرعوا نحو الرزق الحرام قبل أن يصل إليكم رزقكم الحلال المُقدّر.

   إنّ دعاء الإنسان آكل الحرام لا يُستجاب. فعن النبي (صلى الله عليه وآله): “اطلب كسبك تستجب دعوتك ، فإن الرجل يرفع اللقمة إلى فيه حراما فما تستجاب له دعوة أربعين يوما[13].

   يقول الإمام الصادق علیه السّلام “کَسْبُ الحَرامِ یُبینُ في الذّرّیة[14].

والحمد لله ربّ العالمين


[1]  الکافي، ج5، ص78.

[2]  سوةر المؤمنون:الآية51.

[3]  بحار الأنوار، ج 100، ص9.

[4]  بحار الأنوار، ج 100، ص 12.

[5]  جامع السعادات، ج 1، ص 152.

[6]  بحار الأنوار، ج 100، ص 9.

[7]  تاریخ بغداد، ج7، ص 354.

[8]  سورة الذاریات:الآية 58.

[9]  سورة المائده:الآية 62.

[10]  سورة هود:الآية 6.

[11]  بحار الأنوار، ج70، ص96, ج 100، ص30.

[12]  سورة النساء:الآية 2.

[13]  مكارم الأخلاق : 2 / 20 / 2045 .

[14]  وسائل الشیعه، ج12، ص53.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment