صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (33)

العلامة الخامسة للمتقین:

– “وَعِلْماً فِي حِلْم“.

   لقد ذكر أمير المومنين (ع) سابقاً الفضيلة العشرين لأهل التقوى “وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ“, وهناك بيّن أنّ الحلم المقترن بالعلم يُعدّ فضيلة للمتقين, والآن يذكر هنا أنّ من علامات المتقين الواضحة العلم المحفوف بالحلم. فالمتقون ليسوا من أهل العلم والمعرفة وحسب, بل هم حريصون على تحصيل العلم والتقدّم العلمي, ولكنّ هذا الحرص والشغف الشديد بالعلم والمعرفة لا يُقلّل من عزيمتهم وصبرهم.

   ينفذ عادة صبر العلماء في قبال كلام الأفراد غير المتعلمين. فهؤلاء وبعد برهة قصيرة عندما يتبيّن لهم أنّ الكلام فارغ ومليء بالاشتباهات العلمية, يفرّون ويضجرون من ذلك ويبتعدون عن هؤلاء الأشخاص. وعليه فإنّ تحمل كلام عوام الناس الذي لا يعدو أكثر من كونه صرف كلامٍ فارغ يصعب كثيراً على أهل العلم, بيد أنّ المتّقين ومع كل المعرفة والعلم الغزير الذي يمتلكونه والحرص والشغف الفائق عن الحد نحو العلم البيّن لديهم, فإنّهم يواجهون هذا المستوى من الكلام بالصبر والحلم الجزيل.

   يقول الرسول الأكرم (ص) في بيان قيمة صبر العالم أمام الجاهل:  

– “ثَلاثٌ مِنْ مَكارِمِ الاَخْلاقِ فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ: اَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَ تَحْلُمَ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْكَ[1].

   كذلك يذكر رسول الله (ص) أنّ الحلم والصبر يُشابه النبّوة, والإنسان الحليم والصبور يُمكن مقايسته بالأنبياء بالنظر للعمل الذي يقوم به عندما يقول:

– “كادَ الْحَليمُ أَنْ يَكونَ نَبيّاً[2].  

   إنّ الحلم من الصفات الإلهية, والله قد وصف نفسه في آياتٍ متعددة بهذه الصفة كما جاء في الآية الكريمة {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}[3]. كذلك ذكر أمير المؤمنين (ع) وبيّن أنّ الحلم من صفات العالم الحقيقي عندما يقول: 

– “یا طالب العلم إن للعالم ثلاث علامات: العلم، والحلم، والصمت؛ و للمتکلف ثلاث علامات: ینازع من فوقه بالمعصیة، ویظلم من دونه بالغلبة، ویظاهر الظلمة[4].  

   بناء على ما تقدّم فالإنسان العالم يواجه الإهانة والفحش وعصبية الآخرين بالهدوء والوقار والسكينة, ذلك أنّ الإهانة والفحش تصدر فقط من الإنسان الجاهل وبحدّ تعبير القرآن{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[5].

   يقول الإمام الصادق علیه السلام:

– “اطلبوا العلم وتزینوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولاتکونوا علماء جبارین فیذهب باطلکم بحقکم[6].

   إنّ الفرار والتعصّب في البحث علامة عدم التقوى. كما أن صبر العالم مقابل جهل الجاهل ليس مختصّاً بالعلوم الدينية وحسب, فالطبيب يجب أن يتحلّى بالصبر أمام أسئلة واستفسارات الجهلاء ويكون حليما, والأمر عينه بالنسبة للمهندس أو الفنّان أو أيّ شخص لديه خبرة ومعرفة في أيّ مجال, فعليه أن لا ينفر من الآخرين الذين ليس لديهم هذه الخبرة والمعرفة ويكونون جهلاء فينأى عنهم. 

   وعليه فإنّ أحد أهم مواضع صبر العالم مقابل الجاهل يظهر داخل الأسرة. فعندما يأتي الصبي أو الفتاة ويُبدون رأيهم حول مسألة معينة ليس لديهم علم وخبرة كافية فيها, لا يجب على الأب والأم الذين لديهم الخبرة والمعرفة الكافية بهذا الأمر أن يذهب بهم الحال للنزاع والجدل الفارغ, بل يجب أن يتحلّوا بالصبر والحلم ويعملوا على نقل تجربتهم إليه. ونفس هذه المسألة تجري بين الزوج وزوجته, أو بين الزميلين في العمل.

   إنّ الإنسان المتّقي يكون مظهراً للعلم والحلم. كما أنّ الصبر والحلم في قبال الجاهل هو من مظاهر التقوى أيضاً.  


[1]  نهج الفصاحة، ح ۱۲۸۸.

[2]  بحار الأنوار، ج۴۳،ص۷۰.

[3]  سورة البقرة:الآية ۲۶۳.

[4]  الکافي، ج 1، ص37.

[5]  سورة الفرقان:الآية ۶۳.

[6]  بحار الأنوار، ج 2، ص 41.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment