صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (35)

العلامة السابعة للمتقین:

– “وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ“.

   الخشوع هو حضور القلب مع التواضع والأدب والاحترام, فالمتّقون يكون كلّ اهتمامهم أثناء الصلاة منصبّاً نحو الباطن وحقيقة الصلاة. والخشوع كذلك يقترن مع الخوف والخشية, ويقع في قبال القسوة التي هي عبارة عن قساوة القلب وعدم تأثره.

   وبالرجوع إلى اللغة فالخشوع هو الخوف المحفوف بالتعظيم, واصطلاحاً يُطلق على الحالة التي يقف فيها الإنسان أحياناً أمام السلطان العظيم بحيث يضع كلّ تركيزه وتوجهّه عنده,  وينقطع عن كل ما هو محيط به. سألوا رسول الله (ص): ما هو الخشوع؟ فأجاب:“التّوَاضُعُ في الصَّلاةِ، وَ أن يُقْبِلَ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ كُلِّهِ عَلَى رَبِّهِ”[1].

الخشوع في القرآن والحدیث

   يعدّ القرآن المجيد الخشوع في الصلاة إحدى صفات المؤمنين الناجين ويقول:

– {قَدْ اَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ؛ الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ}[2].

   وعليه عندما تسيطر حالة الخشوع على المؤمن, تظهر آثارها في جسده وجوارحه, ويغرق وجوده في العشق والوله للحق, وبالتالي سيخشع جسده ونفسه في كلّ عبادة. يقول القرآن الكريم في هذا المقام:

– {اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ اِلی ذِکْرِ اللَّهِ}[3].

   المهم هو أن يخشع ويخضع الجسد والنفس أمام الله سبحانه, لأنّ خشوع القلب يستلزم خشوع الأعضاء والجوارح كما يقول أمير المؤمنين (ع): 

– “لِیَخْشَعْ لِلّهِ سُبْحَانَهُ قَلْبُك، فَمَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ خَشَعَتْ جَمِیعُ جَوَارِحِه[4].

   إنّ خشوع الجوارح من دون خشوع القلب ما هو إلاّ تظاهرٌ بالخشوع ونوع نفاق, ويجب الاجتناب عنه تبعاً لما قاله النبي الأكرم (ص):

– “إیّاکُمْ وَ تَخَشّعِ النّفَاقِ وَ هُو أنْ یُرَی الْجَسَدُ خَاشِعاً وَ الْقَلْبُ لَیْسَ بِخَاشِعٍ[5].

خشوع أولیاء الله

   ينعم الأولياء الإلهيون في جميع أمور حياتهم وعلى الخصوص أثناء العبادة بأعلى نموذج للخشوع. وهؤلاء الرجال العظام يخضعون فقط أمام الله سبحانه وتعالى, فقد أوحى الله إلى موسى وهارون “إنّمَا یَتَزَیّنُ لي أوْلِیَائي بِالذّلِّ وَ الْخُشُوعِ وَ الْخَوْفِ[6].

   كان لون رسول الله (ص) يتغيّر لونه خوفاً من الله عندما يقف للصلاة, ويُسمع منه صوتاً حزينا[7]. أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فكان إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون[8].

   ينقل الإمام الصادق (ع) عن والده الإمام الباقر (ع):

– “کَانَ عَلِیُّ بن الحُسَینِ إذَا قَامَ في الصَّلاةِ کَأنّهُ سَاقُ شَجَرَةٍ لا یَتَحَرّکُ مِنْهُ شَیءٌ إلّا مَا حَرّکَت الرّیحُ مِنهُ[9].

الخشوع لازم للعبادة

   العبادة تكون قيّمة عند تحقّق التوجّه التام والخشوع, وإلاّ فإنّ العبادة من دون التوجّه ليست سوى رفعاً للتكليف, وما يُدلّل على ذلك أنّ صاحبها يكون فاقداً للإيمان القوي واليقين. يقول الإمام الصادق (ع):

– “لا إیمَانَ إلّا بِالْعَمَلِ وَ لا عَمَلَ إلّا بِالْیَقِینِ وَ لا یَقِینَ إلّا بِالْخُشُوعِ[10].

موانع الخشوع

   إنّ الابتعاد عن طريق الوحي وارتكاب الذنوب التي يجب على الإنسان المؤمن الابتعاد عنها بشدّة هو أكبر مانع للخشوع في الصلاة والغفلة عن ذكر الله. كذلك يجب ترك الأعمال التي حتّى وإن لم تكن بحسب الظاهر معصية إلّا أنّها تسبّب قساوة للقلب, أو تحرف الإنسان عن التوجّه للعبادة واستحضار حالة الخشوع… يقول أمير المؤمنين (ع):  

– “لا یَعْبَث الرَّجُلُ في صَلَاتِهِ بِلِحْیَتِهِ وَ لا بِمَا یَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ[11].

   يُحذّر القرآن الكريم المؤمنين من خطر عدم خشوع قلوبهم ويقول:

– {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[12].

   يقول العلامة الطبطبائي في تفسير هذه الآية: ” وفي الآية عتاب للمؤمنين على ما عرض لقلوبهم من القسوة وعدم خشوعها لذكر الله والحق النازل من عنده تعالى…. وقد أشار سبحانه بهذا الكلام إلى صيرورة قلوبهم كقلوب أهل الكتاب القاسية, والقلب القاسي حيث يفقد الخشوع والتأثر عن الحق ربّما خرج عن زيّ العبودية فلم يتأثر عن المناهي واقترف الإثم والفسوق”[13].

والحمد الله ربّ العالمين


[1]  بحار الأنوار، ج81، ص264.

[2]  سورة المؤمنون:الآية ۱-۲.

[3]  سورة الزمر:الآية ۲۳.

[4]  غرر الحکم، ج۵، ص۴۶۰. 

[5]  بحار الأنوار، ج۷۴، ص۱۶۴.

[6]  بحار الأنوار، ج۱۳، ص۴۹.

[7] فلاح السائل، ص۱۶۱.   

[8]  بحار الأنوار، ج۸۱، ص۲۴۸.

[9]  بحار الأنوار، ج۸۱، ص۲۴۸.

[10]  بحار الأنوار، ج۷۸، ص۳۰.

[11]  بحار الأنوار، ج۸۱، ص۲۳۹.

[12]  سورة الحدید:الآية ۱۶.

[13]  تفسیر المیزان، ج۱۹، ص167 – 168.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment