صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع:  أوصاف المتّقین (54)

العلامة السادسة عشر للمتقين:

يَبِيتُ حَذِراً … لِمَا حُذّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ“.

   الحذر في اللغة يعني الابتعاد والاحتراز عمّا يوجب الخوف والهلع. وعليه فإنّ أهل التقوى يبقون في حالة حذر دائمة طيلة ساعات الليل والنهار خوفا من الغفلة وما تستتبعه من عواقب, فيتوجسون من أيّ شيء يأخذ بهم إلى غياهب الغفلة.

مرض الغفلة الخطير

 يقول أمير المؤمنين (ع): “الغفلةُ أضَرُّ الأعداءِ[1]. ويقول أيضاً: “الغفلةُ ضَلالُ النّفوسِ و عُنوانُ النُّحوسِ[2]. وعنه عليه السلام: “ویلٌ لِمَن غَلَبَت عَلیهِ الغَفلَةُ فَنَسِیَ الرَّحلَةَ وَ لَم یَستَعِدَّ[3].

   يتّفق أحيانا أن تتسبّب لحظة غفلة صغيرة عن الله سبحانه وتعالى بوصول الإنسان إلى الشقاء الأبدي. وذلك كبعض القرارات العجولة التي يتخذها بعيدة عن مرضاة الله جل وعلا, وتكون النتيجة بأن يقضي هو وغيره جميع لحظات حياتهم في الحسرة والحزن.   

   من هنا تجد أشخاصاً لا يخافون من الغفلة ولا يخشون من عواقبها, لا بل تراهم يسعون وراء تهيئة أسبابها لهم وللآخرين ويغرقون في عالم اللهو واللعب, هؤلاء يبتعدون عن العقلانية وعملهم مخالف للمنطق والعقل, يقول أمير المؤمنين (ع): “الغفلةُ شِیمَةُ النَّوکی”[4].  

   يدأب أمير المؤمنين في كلامه هذا وبلسان الاستفهام إلى إيقاظ الناس من سبات غفلتهم الذي غرقوا فيه عندما يقول: “ألا منتبهٌ‏ مِن رقدَتِهِ قَبلَ حينِ مَنِيَّتِهِ؟! ألا مُستَيقِظٌ مِن غَفلَتِهِ قَبلَ نَفادِ مُدَّتِهِ؟! ألا عاملٌ لِنَفسِهِ قَبلَ يَومِ بُؤسِهِ؟! ألا مُستَعِدٌّ لِلِقاءِ رَبِّهِ قَبلَ زُهُوقِ نَفسِهِ ألا مُتَزَوِّدٌ لِآخرتِهِ قَبلَ أُزُوفِ رِحلتِهِ؟! ألا تائِبٌ مِن خَطيئَتِهِ قَبلَ حُضُورِ مَنِيَّتِهِ؟![5].

 

   هذا ومع أنّ غفلة الإنسان عن الله سبحانه وتقاذف الأيام وحلول الموت تحوط به, إلّا أنّه يجب عليه أن يعلم أنّ الله شاهد وناظر على أعماله, والزمان شاء الإنسان أم أبى أدرك ذلك أم لم يدركه يمر بسرعة بفائقة, ومع كلّ نَفَسٍ نتنفسه نكون قد اقتربنا خطوة للموت وبالتالي دنى رحيلنا للآخرة. يقول القرآن الكريم {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}[6].

   ويقول النبي الأكرم (ص): “عَجَبٌ‏ لِغَافِلٍ‏ وَ لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ، وَ عَجَبٌ لِطَالِبِ الدُّنْيَا وَ الْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَ عَجَبٌ لِضَاحِكٍ مِلْ‏ءَ فِيهِ وَ هُوَ لَا يَدْرِي أَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمْ سَخِطَ لَه[7].

 

علامة الغافلين

    للغافلين علائم يمكن الاستفادة منها للتعرّف عليهم. وقد جاء في مواعظ لقمان لابنه: “يَا بُنَيَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلَامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا… لِلْغَافِلِ‏ ثَلَاثُ‏ عَلَامَاتٍ‏ السَّهْوُ وَ اللَّهْوُ وَ النِّسْيَانُ[8].

 

الغفلة طريق الهروب من الذات

   يسعى الكثير من الناس لنسيان أنفسهم, ذلك أنّهم لا يتحمّلون الوقوف على حالهم. وعليه تصبح الغفلة هدفاً بالنسبة لهم حتّى يهربون من واقع حالهم!

   في المقابل ترى العارفين بالله يدأبون وراء تحسين أنفسهم, فلا يتعبون أبداً من التفكّر والتأمّل في حالهم, بل إنّ أعلى لذّة يعيشونها تكون عند خلوتهم مع أنفسهم ومشاهدة باطنهم الجميل.

   وأخيراً كم من الجيد أن تكون يقظة الإنسان من سبات غفلته في هذه الدنيا, فلو لم يستيقظ في الدنيا سيستيقظ في الآخرة حتما, لكنّ الفارق أنّ اليقظة هناك لا فائدة منها. وهنا يأتي الخطاب الإلهي لهكذا شخص {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[9].

والحمد الله ربّ العالمين

[1]  غرر الحکم ودرر الکلم، ص35.

[2]  غرر الحکم ودرر الکلم، ص75.

[3]  غرر الحکم ودرر الکلم، ص727.

[4]  غرر الحکم و درر الکلم، ص51.

[5]  شرح غرر الحكم ودرر الكلم، ج٢، ص٣٢٨.

[6]  سورة الأنبیاء:الآية١.

[7]  الأمالي (للمفيد) ص ٧٥. 

[8]  الخصال، ج١، ص١٢١.

[9]  سورة ق:الآية ٢٢.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment