صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابهالمنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقین (63)

العلامة السابعة والثلاثين للمتقین:

وَلَا يُضَارُّ بِالْجَارِ“.

لقد أكدّ الإسلام كثيراً على الاهتمام بالجار بحيث أنّ الله سبحانه وفي القرآن الكريم أوصى المؤمنين بالإحسان إلى الجار والتقرّب منه {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً}.

يقول المفسّرون بأنّ هذه الدعوة من القرآن تشمل الجار القريب والبعيد على حدٍّ سواء, ولا تقف عند حدود الإيمان والمعتقد وحسب. وعلى حدّ تعبير الروايات فإنّ حدّ الجار يمتد لأربعين منزلاً والحاصل أنّه في القرى والمناطق الصغيرة الجميع يكونون جيراناً لبعضهم البعض: حَرِيمُ‏ الْمَسْجِدِ أَرْبَعُونَ‏ ذِرَاعاً وَ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَاراً مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبِهَا.

 

وبالرجوع إلى المتّقين فإنّهم فضلاً عن عدم تعرضّهم لجيرانهم وأقربائهم بالإساءة والأذية سواء كانوا مسلمين أم لم يكونوا تراهم لا يتوانون عن التعامل معهم بلطف وإحسان. فمن جملة ما أوصى به أمير المؤمنين (ع):اللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّ النَّبِيَّ أَوْصَى بِهِمْ وَ مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ‏ سَيُوَرِّثُهُم.

بالإضافة لما تقدّم تؤكد الروايات والأخبار المختلفة الواردة عن أهل البيت أنّ أحد علائم الإيمان بالله ويوم القيامة هو عدم التعرّض بالأذى للجار وإكرامه. يقول النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله في هذا الصدد: مَنْ كَانَ يُؤَمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ. ويقول أيضا: مَنْ كَانَ يُؤَمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ‏ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ فَوْقَ مَا يُكْرِمُ بِهِ غَيْرَه.

ذات يوم جاء رجلٌ إلى رسول الله (ص) وقال له: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُمِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِهاوصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ. قال رسول الله (ص): مَن آذی جارَهُ حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ ریحَ الجَنَّةِ وَ مَأواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئسَ المَصیرُ وَ مَن ضَیَّعَ حَقَّ جارِهِ فَلَیسَ مِنّا.

حق الجار غير المسلم

الجار له حرمته الكبيرة في الإسلام. كما أنّ التهاون والتقصير في أداء حقوق الجيران يستوجب غضب الله سبحانه وسخطه. كذلك من يسعى ويدأب في الحفاظ على هذه الحقوق سيثيبه الله ويأجره على عمله وسعيه هذا. وعليه الكافر والجار غير المسلم ليس محروماً أبداً من حقوق مجاورته للمسلمين بل يلحقه قسم كبير منها.

يقول رسول الله (ص): الْجِيرَانُ‏ ثَلَاثَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَ حَقُّ الْجِوَارِ وَ حَقُّ الْقَرَابَةِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَ حَقُّ الْجِوَارِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ الْكَافِرُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ.

وللوقوف أكثر على حقوق الجيران المسلمين وغير المسلمين علينا الرجوع إلى الأحاديث الإسلامية لننظر ماذا ذكرت في هذا الخصوص. يقول رسول الله محمد (ص): أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ قَالُوا لَا. قَالَ: إِنِ اسْتَغَاثَكَ أَغَثْتَهُ وَ إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ وَ إِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ وَ إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ وَ إِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ وَ إِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جَنَازَتَهُ وَ لَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ فَتَحْجُبَ الرِّيحَ عَنْهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ إِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرّاً وَ لَا تُخْرِجْ بِهَا وُلْدَكَ تَغِيظُ بِهَا وُلْدَهُ‏ وَ لَا تُؤْذِهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَه مِنها.

يقول الإمام زين العابدين (ع): وَأَمَّا حَقُ‏ جَارِكَ‏ فَحِفْظُهُ‏ غَائِباً، وَ إِكْرَامُهُ شَاهِداً، وَ نُصْرَتُهُ إِذْ كَانَ مَظْلُوماً، وَ لَا تَتَبَّعْ لَهُ عَوْرَةً، فَإِنْ عَلِمْتَ عَلَيْهِ سُوءاً سَتَرْتَهُ عَلَيْهِ، وَ إِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَقْبَلُ نَصِيحَتَكَ نَصَحْتَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ، وَ لَا تُسْلِمْهُ عِنْدَ شَدِيدَةٍ، وَ تُقِيلُ عَثْرَتَهُ، وَ تَغْفِرُ ذَنْبَهُ، وَ تُعَاشِرُهُ مُعَاشَرَةً كَرِيمَةً، وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه.

والحمد الله ربّ العالمين

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment