صلاة الجمعة

                            خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأسس المشتركة في سيرة الأنبياء

الأصل السادس: عصمة الأنبياء

يذهب الكثير من العلماء إلى أنّ عصمة الأنبياء تكون فقط في تلقي وتبليغ الرسالة الإلهية. والمقصود أنّ الأنبياء لا يشتبهون ولا يخطئون في إيصال الرسالة من الله سبحانه وتعالى إلى أقوامهم, فهم معصومون من هذه الناحية, أمّا فيما يتعلق بباقي أعمالهم فهم والناس سواء حيث لا يكونون مصونين عن ارتكاب الخطأ والوقوع فيه. وهنا وبالرجوع إلى منطق القرآن الكريم نرى بأنّ عصمة الأنبياء شاملة لجميع أمور حياتهم وتصونهم من الوقوع في الخطأ في جميع جوانبها, ولا تقتصر دائرة العصمة على بيان وتبليغ الرسالة الإلهية وحسب {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}. 

تؤكد هذه الآية على نفي أي نوعٍ من الخيانة من جانب الأنبياء, بالإضافة إلى نفي أيّ خطيئة وتقصير يقدح في ارتباطهم بالله وتحملهم لأعباء الرسالة وعبوديتهم له جل وعلا, مما يعني أنّ الأنبياء لا يقدمون على أيّ عملٍ يلزم منه نقض علاقتهم وارتباطهم بقومهم وأممهم في علاقاتهم الاجتماعية والشخصية. 

وعد الله بعصمة الأنبياء

نرى في هذه الآية تأكيد الله سبحانه وتعالى على لزوم إطاعة أوامر الأنبياء ولا ينبغي لأحدٍ التشكيك في ذلك {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. 

كذلك نرى في العديد من آيات القرآن الكريم أمر الله بالطاعة المطلقة للنبي حيث قرن طاعة الرسول بطاعته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. 

{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}. 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.  

بناء على ما تقدم نصل إلى هذه التنيجة وهي أنّه من المسلّم عدم وجود خطأ أو اشتباه في أوامر وأعمال الأنبياء وإلّا سيكون الأمر للناس بإطاعة الله مطلقاً مستوجباً لوقوع الناس في المعصية وهذا باطل لا محالة.

لا بل يترقّى القرآن الكريم أكثر حيث يُعطي وعداً محكماً وقاطعاً للناس بأنّ النبي لا يعصي أبداً, ولو حصل وعصى النبي ولو من جهة كونه واحداً من أفراد بني البشر ووقع في الغفلة وخالف بعمله أوامر الله سينال عقوبة مضاعفة وسريعة. وهنا يقول القرآن الكريم مخاطباً النبي (ص) {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ؛ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ؛ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ؛ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.  

نفي الشرك عن الأنبياء

يقول القرآن الكريم حول نفي الشرك عن الأنبياء الإلهيين{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؛ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}. 

مضافاً لما تقدم ينفي الشرك عن الرسول الأعظم (ص) ويقول له{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. 

إنّ نفي الشرك لا يأتي فقط بمعنى عدم الاعتقاد بغير الله, بل تكون المعصية الناجمة عن الأهواء النفسانية عملاً ملوثاً بالشرك أيضا. وهنا يؤكد القرآن الكريم على أنّ اتّباع الأهواء النفسية يكون بمنزلة عبودية الإنسان لنفسه وشخصه ويقول في هذا الصدد 

{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}. 

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}. 

ترك الأولى من الأنبياء

لقد حصل واتفق مع بعض الأنبياء خلال مسيرة حياتهم وتبليغهم لرسالتهم الإلهية أن وقفوا على مفترق طريقين ولم يختاروا الطريق الأفضل الذي له الأولوية على الطريق الآخر, وهذا ما يُصطلح عليه بترك الأولى. وما نجده في بعض الآيات القرآنية في حقّ الأنبياء هو الحديث عن ترك الأولى من جانبهم لا المعصية ومخالفة الأوامر الإلهية. وما يحصل للبعض عند الوصول إلى هذه الآيات المشكلة نتيجة عدم دقتهم اللازمة أنّهم يتوهمون معصية الأنبياء وارتكابهم للخطأ, في الوقت الذي لا نجد هذا الفهم والاستنتاج صحيحاً عند التدقيق الصحيح في مضمون هذه الآيات.  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment