صلاة الجمعة

                            خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (14)

الأسس المشتركة في سيرة الأنبياء

الأصل السابع عشر: تكامل الأمة

لقد انصبّ سعي جميع الأنبياء الإلهيين على تحسين حال أممهم والأخذ بهم إلى جادة الكمال. ومن الأمور المعينة على تحقيق هذا الأمر وحدة اللغة بين الأنبياء وأممهم وذلك حتّى يتمكنّوا من هدايتهم .قال النبي الأكرم (ص): «إنّا مَعَاشِرَ الأنبیَاءِ أُمِرنَا أن نُکَلِّمَ النَّاسَ عَلَی قَدرِ عُقُولِهِم». فمن هذا الحديث نفهم أنّ الأنبياء الإلهيين يتواضعون بأنفسهم وينزلون إلى سطح فهم الناس المتدني ويرافقوهم حتّى يوصلوهم إلى أوج الرفعة والكمال. 

عندما يريد شخص أن يُرشد الآخر إلى أمر ما, فتارة يقف المرشد في المبدأ ويقول للآخرين (اذهبوا ) كما فعل يعقوب مع أبنائه عندما قال لهم {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ}. وأخرى يقف نفس هذا المرشد في المقصد ويخاطب الآخرين (تعالوا). وهنا نجد أن دعوة الأنبياء الإلهيين من قبيل القسم الثاني حيث تجاوزوا الطريق المطلوب وقالوا للناس (تعالوا).  

وبالرجوع إلى دعوة الأنبياء نرى بأنّهم دائما ما كانوا يستفيدون من تعبير (تعالوا) والذي يُرشد إلى السمو والتكامل والرفعة. وهذا ما نراه في الآية الكريمة عندما يؤكد القرآن الكريم ما يريده النبي (ص) من قومه {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.

كذلك عندما خاطب الرسول الأكرم (ص) علماء اليهود والنصارى ودعاهم استفاد من نفس التعبير عندما قال {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

وهنا يتعرّض القرآن الكريم لردة الفعل التي كان يواجهها الأنبياء في قبال دعوتهم التي يقومون بها, فكان من المشركين أن تمسّكوا بما يريدونه أكثر وأصرّوا على البقاء على سيرة آبائهم, وامتنعوا عن التكامل في اتباعهم للقوانين والأوامر الإلهية. يقول القرآن الكريم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}. 

وبالنظر إلى ما كان يقوم به المنافقون نرى عنادهم واضحاً بشكلٍ جلي. فالمنافقون على ما يظهر هم أناس قد قبلوا دعوة الأنبياء ظاهراً ولكن لم يؤمنوا بها بقلوبهم. يقول القرآن الكريم{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}.

الأصل الثامن عشر: التوحيد في الخشية من الله

من الأصول المشتركة في سيرة جميع الأنبياء الإلهيين أنّهم لا يخشون أحداً إلّا الله تعالى. فخشيتهم وخوفهم كانت من الله وحده فقط, وكانوا موحدين له في خشيتهم هذه. يُحدّثنا القرآن الكريم عن الرسل والأنبياء الإلهيين ويؤكد على أنّ هذا التوحيد يكون في عين الخشية منه تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}. 

وهنا نرى بأنّ الله يخاطب لأنبياءه ويطمئن قلوبهم بأنّ شيئاً لن يصلهم من جانب الناس حيث يقول{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. 

وهذا لا يعني قلق الأنبياء على حياتهم, فالأنبياء الإلهيون دائماً ما كانوا في معرض القتل والحرق و… ولا يخافون من ذلك أبداً. وما ربط به الله على قلب نبيه أنّ رسالته المباركة لن تنال منها خدع وألاعيب المعاندين. وإلّا فإنّ موقف الأنبياء في قبال ما كان يُحاك في وجههم من مؤامرات يتلخص بهذه الآية{قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ؛ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}. 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment