صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (18)

مصير الشيطان

يشير القرآن الكريم إلى مصير إبليس. ويبيّن أنّ إبليس قد طلب من الله مهلة إبقائه إلى يوم القيامة مقابل ما أتى به من عبادة طوال آلاف السنوات {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.  ويقول في سورة الأعراف {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}. ويظهر من هذه الآية أنّ الله قد أمهله إلى يوم القيامة. ولكن وبالرجوع إلى سورة ص وسورة الحجر نرى أنّ هذه المهلة للشيطان قد حُدّدت إلى أمد معيّن{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ؛ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}. فمتى يكون هذا الوقت المحدّد؟ يذهب البعض إلى أنّ الوقت يتزامن مع ظهور صاحب الأمر أرواحنا له الفداء.  

في المقابل يقسم الشيطان بعزّة الله سبحانه وتعالى بأنّه سيعمل على إغواء الناس {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ؛ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}. 

سكن آدم في الجنّة ووسوسة الشيطان له

يبيّن القرآن الكريم أنّ نبي الله آدم وبأمرٍ من الله قد سكن في الجنّة مع زوجته {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ؛ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}. 

وحصل وبسبب أكل آدم من تلك الشجرة بعد أن وسوس له الشيطان ووقع في فخ خداعه وحيلته أن خسر حياته الأبدية في الجنة{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}. 

نبي الله آدم معصوم أم عاصي؟

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل ارتكب آدم حراماً أو أقدم على المعصية بهذا العمل عندما أكل من تلك الفاكهة؟ أو أنّ ما قام به لا يتنافى مع عصمته ولا يوقعنا في الإشكال؟ 

ومن أجل مزيد توضيح لا بدّ من تقسيم الأوامر والدستورات إلى قسمين: الأمر والنهي المولوي, والأمر والنهي الإرشادي

يطلق الأمر والنهي المولوي على الأوامر التي يطلقها الله بصفته خالقاً للإنسان فالعمل المطلوب الإتيان به يكون واجباً والمنهي عنه يكون محرّماً. أمّا الأمر والنهي الإرشادي فيطلق على الأوامر التي يرشد الله بها الإنسان إلى الإتيان بالعمل, لا أنّه يأمره بالإتيان به وتركه.

فبالأمر والنهي الإرشادي لا يصبح العمل واجباً أو حراماً. وكذلك عدم الإطاعة له لا تُحسب من الذنوب الكبيرة, ولن يكون هناك من عقوبة سوى النتيجة الطبيعية للعمل. أمّا بالأمر والنهي الإرشادي لا يصبح العمل واجباً أو حراماً. كما أنّ عدم الإطاعة لأوامر الله الإرشادية لا تحسب على أنّها معصية, وعقوبتها ليست سوى النتيجة الطبيعية للعمل. 

وفي قصة نبي الله آدم ما حصل هو النهي الإرشادي. ذلك أنّ القرآن يقول عند نقله للقصة {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى؛ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى؛ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}. 

هنا يُذكّر الله آدم بنتيجة إقدامه على الأكل من تلك الشجرة, الأمر الذي يستتبع حرمانه من السكن في الجنة واستفادته من نعيمها والسكينة والهدوء الموجود فيها. وفي الواقع كان أمر إرشاديّاً بأن لا يقدم على تناول هذه الفاكهة حتّى لا يحرم من هذه النعمة. لذلك يقول في سورة الأعراف {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}. 

وتدلّل هذه الآية أيضاً على أنّ نهي الله عن أكل الفاكهة من تلك الشجرة قد كان نهياً إرشاديّاً, ولذلك لم يكن هذا العمل محرّماً على آدم, وبالتالي لا يتنافى ولا يقدح في عصمته على الإطلاق. 

ويؤكد على هذا الأمر ما نجم عن توبة آدم أنّه قد حُرم من نعمة البقاء في الجنة والراحة فيها فغفر له الله, وهذا من النتائج الطبيعية لأكل تلك الفاكهة لا أنّه كان عقوبة على إتيانه بهذا الفعل وهذا ما يدللّ أكثر على كون الأمر إرشادياً. 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment