صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (24)

نهاية عذاب قوم نوح

   انتهى عذاب قوم نوح بعد هلاك الكافرين ونجاة المؤمنين. يقول القرآن الكريم {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}. 

   المقصود من (الجودي) الأرض الخصبة المناسبة للبذر والزراعة, فليست اسماً لمكانٍ معين أو قمة جبل بحيث لا تكون مناسبة للحياة الزراعية التي كان يعيشها أهل ذلك الزمان. لذلك بيّن القرآن الكريم مكان توقف السفية ونزول نوح وأصحابه إلى تلك الأرض المليئة بالخير والبركة {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}. 

دعاء النبي نوح لجميع الناس

   يرى نوح (ع) نفسه بعد كلّ هذه المشقة والشدّة التي تحملّها من أجل إيصال الدعوة الإلهية للناس, وبعد كل هذه المدّة الطويلة التي قضاها مع قومه المعاندين والمستكبرين أنّه مقصّرٌ أمام الله, وهذا يُعلّمنا أنّ أيّ سعي نقوم به وكلّ صعوبة نتحملّها في طريق الله لا يجب أن تجعلنا غافلين ولو للحظة عن الله, بل يجب أن نرى أنفسنا مدينين لمنّة ورحمة الله على الدوام. لذلك طلب نوح الرحمة والمغفرة من الله مقابل تقصيره الذي صدر منه بعد مضيّ جميع هذه المراحل الصعبة {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}. 

   إنّ هذا الدعاء من النبي نوح (ع) يحكي عن الروحية الموجودة عند جميع الأنبياء الإلهيين الذين يسعون دائماً لتحقيق سعادة الناس. وبناء على هذا الأمر طلب نوم من الله الرحمة والمغفرة لجميع الناس. 

سیرة النبي هود

   إذا رجعنا إلى التسلسل الزمني في التاريخ نجد أنّ النبي هود قد جاء بعد النبي نوح. يقول القرآن الكريم أنّ الله قد أرسل هود إلى قومه بعنوانه حاملاً لرسالة الهداية الإلهية لهم{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}. ونفهم من هذا التعبير القرآني أنّ النبي هود قد كان من قوم عاد.    

خصائص قوم عاد

   لقد ورد ذكر قوم عاد في آيات عديدة في القرآن الكريم كباقي الأقوم مثل قوم نوح وقوم هود بأنّهم من الأقوام الكبيرة في تاريخ البشرية. نعم لقد ورد اسم أقوام أخرى من قبيل أصحاب مدين والرسّ في القرآن أيضاً ولكن ليس بأهمية قوم نوح وعاد وثمود.  

   يرجع قوم عاد بنسبهم إلى أبناء إرم من أحفاد نبي الله نوح. ويُفهم من القرآن الكريم أنّهم أمّة كانت تعيش حياة التمدّن في ذلك الزمن, وكانوا يعيشون حياة رفاهية واشتهروا ببناء العمارات والقصور الفخمة المميزة. يقول القرآن الكريم {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ؛ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ؛ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}. 

   وهكذا كان نفس هذا التمدّن والتقدّم هو السبب في تكبّر وعناد قوم عاد, وكانوا يظنّون عدم وجود أيّ قوّة أفضل منهم في هذا العالم, ففي جميع الأزمنة يظن كلّ إنسان مقتدر أنّه لا يُخطئ, وهذا ما نشاهد نماذج عديدة منه في عصرنا الحاضر. إنّ الغفلة عن الله في الوقت الذي يُحقّق الإنسان نجاحاً خاصّاً يُؤدّي به إلى العجب والتكبّر, ونفس هذا العجب والتكبّر يُهيّئ الأرضية لفشل الإنسان. فالإنسان المغرور لا يُشاهد إرادة الله ومدده في تحقيقه للنجاحات, وما لم يقع في مشكلة فلن يدرك ضعفه وعجزه. وعلى حدّ تعبير القرآن الكريم فإنّ هكذا إنسان يطغى   {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى؛ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}. 

   يقول القرآن الكريم عن عجب وتكبّر قوم عاد{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً؟ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}. 

بدء النبي هود بدعوته لقوم عاد

   لقد بدأ النبي هود (ع) دعوته بالتوحيد. فقام بدعوة قوم عاد إلى عبادة الله الواحد ورفض عبادة الأصنام الذين اتخذوهم آلهة لهم. وقد صرّح هود لهم بأنّ الاعتقاد بألوهية الأصنام التي يصنعها الناس بأيديهم لا يعدو أكثر من كذب وافتراء منهم {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ}. 

   كما أنّ النبي هود قد أكدّ في بداية مراحل دعوته على نفس الأمر الذي قاله الأنبياء الإلهيون لأقوامهم. فقد صرّح جميع الأنبياء أنّهم لا يريدون أيّ أجر مقابل هدايتهم لأقوامهم وإصلاح أمور مجتمعاتهم من الناس{يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment