صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (25)

تذكير النبي هود لقوم عاد: بركات الاستغفار

   يقوم الأنبياء أحياناً بدعوة أممهم إلى العبادات والعقائد التوحيدية الصحيحة بواسطة التهديد وأحياناً بواسطة الترغيب. لأنّ غالبية الناس تعبد الله إمّا بسبب الخوف من جهنم أو بسبب الشوق للجنة. وهنا قام النبي هود بدعوة قومه إلى استغفار الله وذلك من أجل أن تنزل عليهم الرحمة والنعم الإلهية{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}. 

   إنّ التذكير بالرحمة الإلهية وسعة الرزق وتأمين حاجات الإنسان الدنيوية بسبب عبادة الله, تكون من الأمور التي أكدّ عليها باقي الأنبياء أيضاً. فقد وعد النبي نوح قومه بهذا الأمر {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً؛ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً؛ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}. 

   لقد وعد النبي محمد ص الأمة الإسلامية بنفس هذا الأمر أيضاً. يقول القرآن الكريم بعد وصفه وبيان ما قد منّ الله به على الناس في هذا الكتاب الإلهي {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}. 

   لم تتمكن العلوم والمعارف البشرية من تفسير الارتباط بين الاستغفار وتوبة الناس مع نزول النعم الإلهية, في الوقت الذي لم يتمكنوا فيه أيضاً من إنكاره. يرى أبو علي سينا في إلهيات الشفاء أنّ إنكار هذا الأمر لا يتناسب مع الفلسفة, ويعدّ المنكرين له جاهلين ويصفهم بالمتشبّهين بالفلاسفة. كذلك يذهب كانت إلى أنّ إنكار هذا الارتباط يكون أكبر من نطاق العلم التجريبي, ويؤكد على أنّ العلم بإمكانه إثبات وجود الارتباط بين الظواهر بالتجارب العلمية فقط, ولكن لا يمكنه رفض وجود هذا الارتباط من الأساس بواسطة التجربة. فلو لم يتمكن من إثباته بالتجربة فيقول بأنّ التجربة لم تثبته لا أنّه منتفي من الأصل.  

   يؤكد القرآن الكريم نزول النعم الإلهية من السماء والأرض بسبب الإيمان والتقوى فيقول {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ}. 

   ونشاهد هذه النقطة في القرآن الكريم أيضاً عند اليهود والنصارى{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}. 

جواب قوم عاد للنبي هود

   لقد عارض قوم عاد دعوة النبي هود ولم يسمعوا لكلامه. وقد نعت الأشراف والأغنياء من قوم عاد النبي هود بأنّه كاذب من دون أن يناقشوا كلامه أو يشكلوا عليه {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. 

   كما ووصفه قسم آخر من قومه الذين يظنّون أنّهم أهل فكر ونظر بأنّه يهذي عليهم بسبب لعنه لآلهتهم وقد أُصيب بالجنون{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ؛ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}. 

  لقد تكرّر أمر نعت الأنبياء الإلهيين بالجنون من قبل أممهم وفق ما ينقله القرآن الكريم. ولكن لدينا في الواقع جنون دون إدراك العقل, وجنون فوق إدراك العقل. وهذا ما يقصده أمير المؤمنين (ع) في كلامه عند وصفه للمتقين: “يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ؛ وَيَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا، وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ“. 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment