خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ
مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد
سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.
الأنبياء في القرآن (26)
جواب النبي هود إلى أصحاب النفوذ والمقتدرين من قوم عاد
لقد كان المخالفون للنبي هود من قوم عاد أصحاب النفوذ والمقتدرين بمواجهتهم له عندما قالوا{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ}. فكان من النبي هود أن أجابهم بشكلٍ مناسب على إشكالهم ومن دون أيّ حدّة وعصبيه بكلّ هدوء وطمأنينة مصالحاً لهم {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.
بعد ذلك ذكّرهم هود بما قد جرى على أجدادهم. فقوم عاد يرجعون بنسلهم إلى الفئة التي آمنت بالنبي نوح (ع), وركبوا معه في السفينة ونجوا بأنفسهم, ومع أنّ أحفادهم عادوا إلى عبادة الأصنام بعد فترة من الزمن وانحرفوا عن طريق التوحيد وعبادة الله الواحد. فذكّرهم هود بتاريخ أجدادهم وتعجّب من عدم إيمانهم في الوقت الذي قد بعث الله نبيّاً إليهم من قومهم, وقد كان نوح من أجدادهم أيضاً حيث حمل تبليغ رسالة الله على عاتقه.
وقد أشار النبي هود إلى نعم الله بعد نجاة أجدادهم الذين رافقوا نوح على ظهر السفينة وقال لهم {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ؟ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
هنا مانع أشراف قوم عاد ولم يردعهم تذكير النبي هود لهم بأجدادهم وإيمانهم بنوح (ع) والنعم الإلهية التي كانت شاملة لحالهم, فذكّروه بعبادة أبائهم للأصنام وطلبوا منه نزول العذاب لإثبات كذب ما يدّعونه {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا؟ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
فما كان من هود في هذه المرحلة إلّا أن حذّرهم من العذاب الإلهي ولم يعد يرى جدوى أيّ طريق ونحوٍ للاستدلال والمنطق{قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ، أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ؟ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}.
الجواب المنطقي للنبي هود لأصحاب الفكر والدليل من قوم عاد
هناك فئة من قوم عاد كانوا يتظاهرون بأنّهم أصحاب فكرٍ, وقالوا عند مخالفتهم للنبي هود{يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ}. فأجابهم النبي هود جواباً منطقيّاً وعقلائيّاً{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ؛ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ}.
لقد أجاب هود بهذا الجواب من أجل أن يرجع الناس في بادئ الأمر إلى أصنامهم ويُشاهدوا ما قد اقترفوه بحق أنفسهم والبلاء الذي سينزل عليهم, وعندما يعاينوا أنّ أصنامهم لن تنفعهم بشيء وأثرها يكون قليلاً عليهم فهذه بنفسها حجّة واضحة على أنّ هذه الأحجار والأخشاب ليست معبوداً.
كما وينبغي أن يرجعوا إلى أنفسهم ويُفكّروا في عدم مقدرتهم على إلحاق ضرر بهود مع أنّهم أناس أقوياء ومحاربين؟ فإذا لم يكن هود نبياً ولم يكن صادقاً فيما يدّعي ولم يحفظه الله فيجب أن يتمكنوا من إلحاق الأذى به بكلّ سهولة ويطردوه من بين أظهرهم.
وهنا يُشير النبي هود بعد إقامته لهذا الدليل الفطري إلى القدرة الإلهية العظيمة وتوكل على الذات المقدسة له عندما يقول{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وهكذا وبعد الانتهاء من دعوة ومحاججة قوم عاد أتمّ الني هود الحجّة عليهم وقال لهم بأنّي قد أديّت تكليفي في تبليغ رسالة الله بشكلٍ كامل واعلموا أنّ مصيركم ونجاتكم وهلاككم يكون بأيديكم وأنتم من تقرّرونه. فإذا آمنتم بدعوتي وعبدتم الله الواحد الأحد ستنجون, أمّا إذا كفرتم فستهلكون وستأتي أمم أخرى تعيش على هذ الأرض مكانكم {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً، إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.