صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (27)

عذاب قوم عاد

بعد أن أنكر قوم عاد الدعوة الإلهية للنبي هود وكذّبوا وعده بنزول العذاب وقالوا له بكلّ صراحة{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ؛ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ؛ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}. عندها شاء الله سبحانه أن يتحقّق أمر نزول العذاب عليهم{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ؛ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ؛ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}.  

فجاءتهم الريح عذاباً من عند الله ونزلت عليهم طيلة سبع ليالٍ وثمانية أيام وأبادتهم جميعاً{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ؛ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ؛ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}. 

لقد تحدّث القرآن الكريم في سورٍ عديدة عن هذا العذاب الإلهي الشديد وأكدّ على عظمته {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ؛ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}. 

كما وأشار إلى صعوبة العذاب الأخروي لقوم عاد أيضاً وقال {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ}. 

مصير النبي هود (ع) والمؤمنون من قوم عاد

بالرجوع إلى ما ينقله القرآن الكريم عن مصير النبي هود (ع) ومن آمن معه من قوم عاد وبالالتفات إلى عظمة العذاب الإلهي الذي قد لحق بقوم عاد يظهر منه وجود عناية إلهية خاصة بالنبي وهذه الفئة الناجية من قومه. فيذكر القرآن الكريم في آيات وسور متعددة وبعبارات مختلفة ما قد حصل عن خلاصهم بشكلٍ فريد من نوعه ويقول{فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}. 

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}. 

وهكذا نرى عدم إمكان نجاة النبي والمؤمنين معه من هذا العذاب العظيم بغير عناية خاصة إلهية بهم. وهنا تظر أيضاً القدرة الإعجازية والمدد الغيبي الإلهي للنبي هود بوضوح. 

عبرة ممّا مرّ على قوم عاد والنبي هود (ع)

من المسلّم به أنّ القرآن ليس كتابا قصصيّاً, وله هدف وغاية للهداية من كلّ قصة ينقلها. ولأجل هذا السبب فإنّ تكرار قصة قوم عاد في سور وآيات مختلفة يشير إلى أهميتها في هداية وإرشاد الناس. ويؤكد القرآن الكريم على الدرس والعبرة من هذه القصة ويقول {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}. 

وهنا يوجد تأثير أكبر في مسير الهداية لقصص الأنبياء الإلهيين في القرآن الكريم. فكل من شخصية الأنبياء وردة فعل المؤمنين والكافرين من قومهم ومصير كلّ واحدٍ منهم يشتمل على دروسٍ وعبر من سيرة الأنبياء في القرآن.  

إنّ قوم عاد يعودون إلى نسل من آمنوا برسالة نوح ونجوا معه بركوبهم على ظهر السفينة. فقد تمكنوا بفضل النعم الكثيرة والتوفيقات الوفيرة من جانب الله سبحانه عليهم من الوصول إلى حالة تمدّن كبير على الأرض. وقد تسبّبت هذه النعم والإمكانات الدنيوية بالعجب بأنفسهم وضلالهم, وقد استحقوا اللعنة في الدنيا والآخرة حسب تعبير القرآن الكريم وابتعدوا عن ساحة القرب الإلهية {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ؛ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَلَا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ. أَلَا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}. 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment