صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن – ۲۸

سيرة النبي صالح وقوم هود

   لقد ذكر القرآن في سور وآيات مختلفة بعد قصة قوم عاد والنبي هود قصة قوم ثمود ونبيهم صالح, والتي تشتمل على دروس وعبر عديدة, فيقول القرآن الكريم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً}.

صفات قوم ثمود

   يرجع قوم ثمود في نسلهم إلى الناجين من قوم عاد, حيث إنّه وبعد عدّة أجيال وصلوا إلى مرحلة التمدّن والتقدّم وأنعم الله عليهم بنعم عديدة. وقد امتاز قوم هود بتقدمهم من ناحية الصناعات المتناسبة مع زمانهم وعصرهم وكانوا مقتدرين في حفرهم وتغييرهم للجبال. يقول القرآن الكريم واصفاً لهم {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}. 

   ويمكن ذكر صفتان تميّز بهما قوم ثمود: 1- الرفاه المعيشي, 2- التمسّك بسنن أجدادهم عن جهل. 

   وهنا يُخبرنا القرآن الكريم عن حالة الرفاه المعيشي الذي كانوا يعيشونه في قصورهم المجلّلة والفخمة الأمر الذي يُبرز حجم الرفاه المادي الموجود لديهم, فينقل القرآن خطاب النبي صالح لهم {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً}. 

   كما وينقل القرآن جوابهم للنبي صالح حول تمسّكهم بسنن آبائهم وأجدادهم عن جهل ويؤكد على أنّ سبب مخالفتهم لدعوته هو عبادتهم لما كان عليه آباؤهم {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}. 

   إنّ كلتا الصفتان كما يمكن أن يكون لهما جانب إيجابي, يمكن أيضاً أن يكون لهما جانب سلبي أيضاً. 

   فهذا الرفاه المعيشي والاستفادة من النعم الدنيوية يقترن بالعلاقة بالله الذي هو مصدر هذه النعم والرفاه في المعيشة الذي يعود إلى رحمته وتوفيقه, وسيكون عوناً للإنسان في سعادته الدنيوية والأخروية. لذلك قيل: «لا مَعَادَ لِمَن لا مَعَاشَ لَه».

   كما أنّ التمسّك بسنن الآباء والأجداد ينتفي في حال لم يكن هناك أصل ترجع إليه, ويمكن أن تكون سبباً للضلال, في الوقت الذي يكون الأصل الذي ترجع إليه منطقيّاً يكون الأخذ بها حسناً وستصبح سبباً للهداية والسعادة. 

بدء دعوة النبي صالح

   بدأ النبي صالح كباقي الأنبياء دعوته بالتوحيد وعبادة الله الواحد. وبالرجوع إلى ما ينقله القرآن الكريم نرى أنّ أول كلام للنبي صالح في تبليغه للدين الإلهي كان في عبادة الله فقط {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}. 

   فكلام النبي صالح يشير إلى نفس مفاد عبارة «لا إله إلا الله». وهذه العبارة تؤكد على نفس التوحيد وعبادة الله الواحد, وقد تمّ الإشارة إلى سرّ سعادة الناس في طريق حياتهم الدنيوية في كلام جميع الأنبياء الإلهيين بتعابير مختلفة. 

ردّة فعل قوم ثمود على دعوة النبي صالح

   لقد آمنت مجموعة من قوم ثمود عند سماعهم لكلامة المطابق لفطرتهم الإلهية, وخالفه كثيرون. ويقول القرآن الكريم أنّه قد نشب بين قوم ثمود خلاف ونزاع حول دعوة النبي صالح لهم {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}. 

   وبالرجوع إلى ما ينقله القرآن الكريم نرى أنّه قد تمّ تقسيم المخالفين للنبي صالح إلى عدّة فرق. وقد دعاهم النبي صالح جميعاً إلى الصلاح والاستغفار والعقلانية والمنطق {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ؟ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.  

   فأجابه المخالفون له بهذا الكلام الذي يُجسّد مصالحهم ويكون ناشئاً عن عنادهم وحقدهم {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}.  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment