صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (30)

البيّنة والدليل على صحّة دعوى النبي صالح

لقد تمسّك قوم ثمود بحجتين للرد على دعوى النبي صالح. وكانت حجتهم الأولى أنّ الدعوة إلى ترك عبادة الأصنام تكون بدعة, وتؤدي إلى اندثار سنّة قوم ثمود ونسيانها, بالإضافة إلى محق تاريخهم وقوميتهم من الأساس, ولأجل هذا السبب يجب علينا ردّ هذه الدعوة والدفاع عن سنّة الآباء والأجداد. 

أمّا حجّتهم الثانية فكانت باعتراضهم على النبي صالح بعدم إتيانه بأيّ بيّنة ودليل واضح لإثبات حقانيته وتبديل شكّهم إلى يقين.     

وقد قدّم النبي صالح في المقابل الدليل والبيّنة لمن طلب الإتيان بالبينة والدليل من قوم ثمود لإثبات صحّة وصواب مدّعاه. فطلب الدليل على الادّعاءات الكبيرة من قبيل النبوة والرسالة الإلهية بالإضافة إلى أنّ أيّ ادّعاء أساسي آخر يكون أمراً عقلائياً ويطابق تعاليم القرآن الكريم. وبالرجوع إلى تعاليم القرآن نرى أنّ النبي صالح يشير في بادئ الأمر إلى أثر تقديم الدليل والبيّنة على رسالته, ويؤكد لهم على عدم جدوى مخالفتهم لدعوته بعد مشاهدة هذه البيّنة {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ؟ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}. 

البيّنة والدليل على الرسالة الإلهية بنحوين: البيّنة بالقول, والبيّنة بالعمل

ينظر العقلاء وأهل النظر والمثقفون والخواص في المجتمع إلى صحّة دعوى الأنبياء وكونها إلهية بالعقل والفهم ويدكونها بذلك, ولا يطلبون المعاجز الحسية, على غرار عوام الناس الذين يكونون بحاجة إلى البيّنة والدليل الحسّي من أجل تصديق الدعوة. وعلى حدّ قول الشيخ الرئيس ابن سينا «كلّما اقتربت من الحسّ أكثر فستقترب أكثر من عوام الناس, وكلّما اقتربت من العقل أكثر فستكون على مقربة من خواص المجتمع أكثر».

ومع ذلك فقد أقدم النبي صالح كما سائر الأنبياء على قبول طلب عوام الناس وقدّم لهم البيّنة بالفعل والمعجزة الحسيّة. يقول القرآن الكريم {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُاللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}.  

الناقة هي المعجزة الحسيّة للنبي صالح

إنّ إضافة كلمة الناقة إلى لفظ الجلالة الله ليس بمعنى أنّ الله له ناقة كما جاء في هذه الآية وفي بعض الآيات القرآنية الأخرى, بل تكون هذه الإضافة تشريفية ومن أجل بيان قدر ومكانة هذه الناقة من قبيل الإضافة في «بيت اللَّه» و «كتاب اللَّه». 

وتأتي أيضاً بمعنى أنّ هذه الناقة هي وسيلة ومعجزة لنبوة صالح وقد أكّد الله سبحانه وتعالى على نبوته من خلال هذه الوسيلة. لقد تمّكن النبي صالح في هذه المعجزة بناء لطلب قوم ثمود على إخراج الناقة من بطن الجبل وقال لهم « وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ » وحذّرهم من إيذائها أو ضربها وجرحها, وقال لهم بأنّ العذاب الإلهي سينزل عليهم بسرعة في حال أقدموا على ذلك.  

لقد كانت هذه المعجزة مهمة إلى حدّ أنّ الله قد أرسل الناقة من جانبه وقال {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ؛ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}.  

وبالرجوع إلى آيات القرآن الكريم نرى أنّه توجد عدّة آيات قد تحدّثت عن هذه الناقة بتعابير قيّمة, وقد أكدّت مراراً أنّ النبي صالح أوصى بالرفق بالناقة كي لا ينزل العذاب الإلهي عليهم. فالنقطة الأساسية التي طلبها النبي صالح من الناس حول الناقة كانت بخصوص الماء. فكما هو معلوم كانت المنطقة التي يعيش فيها قوم ثمود صحرواية والماء فيها شحيح, وبالتالي كان يصعب على الكفار منهم ترك الناقة تسير في الطبيعة وتشرب من الماء الموجود. وكان يُعدّ الالتزام بهذا الأمر علامة على الإيمان ووسيلة لنجاة قوم ثمود {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ؛ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.  

{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}.  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment