صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (31)

تعامل قوم ثمود مع ناقة النبي صالح

   لقد بيّن النبي صالح لقوم ثمود أنّ العذاب الإلهي سينالهم إذا لحق ضرر بالناقة. وكان هذا في الحقيقة امتحاناً إلهياً في حق أفراد قوم ثمود. 

أقسام الامتحانات الإلهية

   الإنسان يكون دائماً في معرض الاختبارات والامتحانات الإلهية. وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا الأمر منذ بدء الخلقة {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}. 

   وينظر الله سبحانه في هذه الامتحانات إلى قدرة ومستوى فهم الإنسان, ولذلك نجد أنّ هذه الامتحانات تكون بسيطة في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال نرى الاختبار الذي امتحن به طالوت أتباعه بعدم شربهم مقداراً كبيراً من الماء{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}… 

   وأحياناً يكون الامتحان الإلهي صعباً, من قبيل ما امتحن به الله إبراهيم الخليل, أو الامتحان الإلهي في حقّ مريم العذراء, أو النبي أيوب. فيقول القرآن الكريم حول إبراهيم الخليل ونجاحه في الامتحان الإلهي {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}…

   والامتحان الإلهي لقوم ثمود هو من قبيل الامتحانات البسيطة, فكان مطلوبا منهم ترك ناقة الله حرة تسير في الصحراء وتشرب من الماء. فقد نقل القرآن الكريم قول النبي صالح {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُاللَّهِ لَكُمْ آيَةً، فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}. 

   ولكن تردّد قوم ثمود في هذا الامتحان كما فشل أتباع طالوت في هذا الاختبار البسيط{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} ويقول أيضاً في حقّ قوم ثمود {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}. 

   وهكذا فقد فشل قوم ثمود في هذا الامتحان الإلهي البسيط ولم يتمكنّوا من إطاعة أمر النبي صالح حول هذه الناقة,  وطلبوا منه نزول العذاب الذي قد وعدهم به. 

هنا أمهلهم النبي صالح كي يتراجعوا ويتوبوا إلى الله, وطلب منهم البقاء ثلاثة أيام في منازلهم ومراجعة أنفسهم وعملهم. 

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}.  

   وبعد مضي ثلاثة أيام وإتمام الحجة وانسداد باب التوبة عليهم, نزل العذاب الإلهي, وهلكوا بزلزال كبير وصاعقة محرقة. يقول القرآن الكريم {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ؛ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ؛ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ}. 

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}. 

   ويؤكد القرآن على هلاك قوم ثمود بأسرهم, وقد نجى من هذا العذاب الإلهي كل من أمن منهم بالنبي صالح {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ؛ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ؛ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا، أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ، أَلَا بُعْداً لِثَمُودَ}.  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment