صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

توحيد إبراهيم الخليل بناءً للعشق

   يختلف طريق الهداية من شخصٍ لآخر. والمشهور أنّ «الطُّرُقُ إلیَ اللّهِ سُبحَانَهُ فَهُوَ بِعَدَدِ أنفُسِ الخَلَائِقِ» وطريق هداية كلّ شخصٍ ترجع إلى طبيعته وفطرته.  

   وقد وصل إبراهيم الخليل إلى عبادة الله من خلال العشق. ويقول القرآن الكريم أنّ إبراهيم وبعد احتجاجه على عبادة آزر للأصنام لجأ إلى ملكوت السماوات {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.  

    لقد عمل النبي إبراهيم بأساليب جديدة من أجل تبليغ رسالته. وأحد هذه الأساليب كان بمرافقته في بادئ الأمر للأشخاص المشركين من قومه كي يعاينوا ويدركوا عدم جدوى الشرك ويشعروا به. ولجأ في المرحلة الأولى إلى عبادة الكواكب{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}.  

   وعندما شاهد خليل الله غروب وأفول الكواكب والنجوم أدرك عدم جدوى عشقهم وعبادتهم. وكان يرى إبراهيم الخليل أنّ الإنسان يجب أن يعشق ويُحبّ معبوده. فالعبادة بناء لهذا المنطق تكون من قبيل عشق المحبّ للمحبوب, لا تكليفه بسبب الإجبار. 

   وهنا لجأ النبي إبراهيم إلى المرحلة الثانية بعبادته للقمر{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ

   وهكذا وبعدما رأى خليل الله أفول وغروب القمر أشار إلى هذا المطلب إلى أنّه موجود آفل ولا يمكنه هداية الإنسان. وهنا ذكّر إبراهيم في هذه المرحلة قومه بحاجة الإنسان لله من أجل الهداية, ويجب على الإنسان أن يصل إلى موجودٍ يعبده ويلجأ إليه وهو الله حتّى يتمكن من توفير هذه الحاجة لهداية الإنسان. 

   بعد ذلك انتقل إبراهيم في المرحلة الثالثة إلى عبادة الشمس{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.  

   وهنا وبعد مشاهدته لأفول وغروب الشمس ذهب إلى الأنبياء الموحدين وأعرض عن الشرك في العبادة ولجأ إلى الله سبحانه معلناً توحيده له {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.  

الاستدلال العملي لإبراهیم

   يجب الإتيان أحياناً باستدلال عقلي من أجل إثبات حقّ الطرف المقابل, وأخرى باستدلالٍ عملي. ويرجع هذا الاختلاف في الاستدلال إلى مستوي فهم وإدراك الطرف المقابل. وهنا لا بدّ من الإتيان بدلائل عقلية للعقلاء وأصحاب العقل والنظر, أمّا عوام الناس فيجب الإتيان بدلائل عملية للأمور الحسيّة التي يمكن فهمها لهم بشكلٍ أكبر. 

   لقد أتى النبي إبراهيم بتدبيرٍ عملي من أجل إثبات عدم إمكانية عبادة الأصنام وعدم تأثيرها على حياة الأشخاص. وينقل القرآن الكريم أنّ إبراهيم وبعد كلامه مع قومه {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}, وقال أيضاً بعدما أكدّ المشركون على عبادة الأصنام من باب كونها عنواناً لسنّة الآباء والأجداد {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}, ويكمل القرآن الكريم فيما يأتي {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ؛ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ؛ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ؛ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ؛ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ؛ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}.  

   وفي الأخير يذكر القرآن الكريم مقابل هذا التدبير والاستدلال العملي لإبراهيم الخليل بعدم مقدرة الصنم الكبير على تكسير سائر الأصنام إدراك الناس لصحّة ما يقوله إبراهيم, فلا ينبغي أن تكون الأصنام إلهاً ويعكف الناس على عبادتها {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ؛ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ؛ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ؛ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment