الأنبياء في القرآن – ۳۵

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (35)

دروس من المرحلة الأولى لسيرة إبراهيم الخليل

عدم التعلّق بالأمور الفانية: يطرح النبي إبراهيم أصلاً بعنوانه معياراً لتعلّق القلب, ويمكن فهمه لجمع الناس, وهو «لا أحبّ الآفلین». وهنا لا يوجد قيمة لتعلّق القلب بالأمور الزائلة والفانية. فجميع الأمور الدنيوية ستزول وتفنى. فلن يبقى المال والثروة والجاه والمقام والأولاد. يقول القرآن الكريم {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}.  

التفكير والعقلانية: يجب الاعتماد على التعقّل والتفكير في جميع مراحل الحياة. كما أنّ جميع التعاليم الإلهية تعتمد على العقل والفطرة الإنسانية. وقد انتقد النبي إبراهيم المشركين واعترض عليهم بعدم تفكيرهم بما يكون مناسباً للعبادة عندما قال {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.  

التوكّل والاعتماد على الله: يجب على الإنسان أن يعتمد ويتوكل دائماً على الخالق القادر والحكيم دائماً. وقد كان التوحيد والتوكل على الله والابتعاد عن أيّ نحوٍ للشرك شعار النبي إبراهيم في جميع مراحل حياته {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. 

أدوار حياة إبراهيم الخليل

الحياة في فلسطين

بناءً على ما قد ورد في التوراة هاجر النبي إبراهيم في عمر الخامسة والسبعين مع زوجته سارة أخت لوط وجميع غلمانه وحمل معه كلّ متاعه إلى كنعان…

وقد تكلّم القرآن الكريم عن وصول إبراهيم الخليل إلى أرض فلسطين, كما نجد في التوراة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع, من قبيل الحوار بين إبراهيم مع الله الذي تحدّث عنه القرآن {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.  

وساهم هذا الحوار وعمل إبراهيم في تعميق إيمانه وزيادة الطمأنينة في قلبه, ونجد تشابهاً مع ما قد ورد في التوراة حول وصول إبراهيم إلى أرض فلسطين وتواجده هناك. 

أبناء إبراهیم الخلیل

كانت سارة زوجة النبي إبراهيم وقد تزوّج النبي إبراهيم في فلسطين من هاجر أمة سارة بناءً لأمر الله, ورزقه الله بأول ولد له إسماعيل. 

ينقل القرآن كلام الملائكة الذين جاؤوا إلى إبراهيم حيث يقول{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى، قَالُوا سَلَاماً، قَالَ سَلَامٌ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}. وقام هؤلاء الملائكة بتبشيره بولادة سارة له. يقول القرآن الكريم {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ؛ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ؛ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. 

يرى البعض أنّ اسم ولد إبراهيم (إضحاك) من باب المناسبة مع حالة سارة (فَضَحِكَتْ). وقد تكلّم الله في القرآن الكريم عن إسحاق وولده يعقوب من باب كونه نعمة ورحمة نازلة من عند الله, وهذا يُشير إلى أنّ هناك ولداً قبله كان لدى إبراهيم وإسحاق ليس الولد الأكبر له{وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً، وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحينَ}.  

وعليه لم يكن لدى إبراهيم أبناء حتّى صار شيخاً, عندها رزقه الله بولدين: إسماعيل وإسحاق {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لىِ عَلىَ الْكِبرَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَاقَ إِنَّ رَبىّ‏ لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}.