صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (36)

مراحل حياة إبراهيم الخليل

الحياة في الحجاز

لقد ذكر القرآن النزاع بين نساء إبراهيم سارة وهاجر, ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل إبراهيم يحمل زوجته هاجر وولده إسماعيل إلى أرض الحجاز. وبالرجوع إلى التوراة كان عمر إبراهيم عندما رُزق بإسماعيل 86 سنة. وهنا ينقل القرآن الكريم دعاء إبراهيم عندما وصلت هاجر وإسماعيل إلى مكة حيث يقول {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}. 

ولم يتعرّض القرآن الكريم إلى الحادثة المعروفة حول عطش إسماعيل وتنقّل هاجر بين جبلي الصفا والمروة كي تعثر على الماء وخروج الماء بعد ذلك من عين زمزم, بينما ذُكرت في التوراة هذه القصة باختلافٍ بسيط. 

الامتحان الأكبر لإبراهيم بالتضحية بولده

نصل الآن إلى الامتحان الإلهي الكبير الذي تعرّض له إبراهيم بالتضحية بولده الأكبر إسماعيل. وقد تحدّث القرآن الكريم عن الرؤيا الصادقة لإبراهيم الخليل وجواب إسماعيل على عمل إبراهيم عندما قال{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى؟ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. 

وقد كان هذا الامتحان الإلهي أصعب بمراتب من بقية الامتحانات التي ابتلى بها الله إبراهيم الخليل. فإبراهيم لم يُرزق بولد حتّى صار شيخاً, وعندما كبر ولده وأصبح شاباً جاءه الأمر الإلهي بأنّ عليه أن يذبج ابنه قرباناً لله. ولم يتوانَ هذا النبي الإلهي الكبير للحظة عن الامتثال لأمر الله, وفي المقابل امتثل ولده أيضاً بكلّ رضى لأمر الله وثبت على إيمانه وتوحيده له سبحانه وضحّى بكلّ آمانيه وأهدافه راضياً بما يريده الله منه.  

وهنا يُصوّر القرآن الكريم استمرار هذا الامتحان الإلهي بهذا الشكل {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ؛ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ؛ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ؛ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}.  

نلاحظ في الامتحانات الإلهية أنّ الله سبحانه وتعالى يُقدّر دائماً أفضل عاقبة لمن يختّصه بامتحانٍ منه. وعلى الإنسان أن يعلم أنّ الله هو أرأف شخصٍ بعباده, ولا يريد أيّ سوء على الإطلاق لهم, والهدف من امتحان عبده إعطاؤه عطيّة أكبر. ويقول الله في ما يأتي من آيات القرآن الكريم حول نجاح إبراهيم وإسماعيل في الامتحان الإلهي الصعب {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ؛ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ؛ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ؛ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ؛ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.  

ويظهر أنّ هذا آخر امتحانٍ إلهي كان للنبي إبراهيم, وقد اختبر الله قدرته على تحمّل المسؤولية الكبيرة من عند الله, ولذلك أعطاه الله مقام الإمامة كي يتخطّى هذه الامتحانات الإلهية الصعبة ويتحمّل أعباء الرسالة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.  

ويتبيّن من هذه الآية أنّ مقام الإمامة وولاية أمور الناس يكون أرفع من مقام النبوة وتبليغ رسالة الله إلى الناس. فمن يريد أن يكون إماماً وقائداً للناس ويتولّى أمورهم يجب أن يكون معصوماً وبعيداً عن الذنوب والمعاصي, لأنّ الذنب ومعصية الله يكون من أكبر المظالم التي يقترفها الشخص العاصي, بالإضافة إلى كونها من أعظم التجازوات التي تنال من مقام الله سبحانه وتعالى. 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment