خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ
مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد
سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.
الأنبياء في القرآن (الآية 37 – سورة إبراهيم)
الكعبة موطن إبراهيم الخليل بيت الله ومقصد الناس
يقول القرآن الكريم حول تحديد موضع الكعبة لإبراهيم الخليل {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
ويظهر من هذه الآية أنّ الله قد عيّن لإبراهيم مكان الكعبة كي يشرع ببنائها, وذلك كما قد ورد في آية أخرى {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
لكنّ ظاهر آية{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}. وكما هو معلوم فإنّ الكعبة قد كانت موجودة قبل سفر إبراهيم الخليل وزوجته إلى مكة. وقد أسكن هاجر وإسماعيل إلى جانب بيت الله الحرام. وعلى هذا الأساس يجب القول بأنّ أمر الله بإعادة بناء الكعبة وترميم المسجد الحرام وتهيئته لحضور المصلين إليه كان بعد تعيين الكعبة بيتاً حراماً لله وسكن أهل النبي إبراهيم في جواره.
لقد كرّر الله سبحانه وتعالى أمر بناء الكعبة لإبراهيم وإسماعيل وإعدادها وتهيئتها للمصلين {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
إنّ التعبير الذي استفاد منه القرآن الكريم حول الكعبة جميل جداً. فيذكر القرآن الكريم أنّ الكعبة وبيت الله الحرام كان أول بيتٍ لله قد بُني للناس {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}.
وهو المكان الذي يُوفر الأمن والأمان للناس{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}.
وهنا يدعو النبي إبراهيم ربه بخصوص الكعبة وأرض مكة ومن سيسكن فيها, ويشير القرآن في الإجابة على دعاء إبراهيم وقبول طلبه بتنعّم الكافرين حتّى من النعم الإلهية {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
حج إبراهيم
يطلب النبي إبراهيم في أدعيته وما يريده من الله لعائلته الذين قد لبثوا في مكة, كما ويدعوه لتبيين مناسك الحج له حيث يقول{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
في هذا الوقت تمّ بيان مناسك الحج لإبراهيم الخليل, ثم طُلب منه نشر مناسك الحج بين الأمم والأقوام الأخرى, وقد صارت هذه المناسك واجبة على جميع الناس إلى يوم القيامة من قبل الله حيث يقول {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
ولعلّ نفس هذه المسؤولية الكبيرة الأبدية كانت لازمة حتّى يخضع إبراهيم للإمتحان الإلهي الكبير بالتضحية بولده إسماعيل وينجح فيه. يقول القرآن الكريم في آخر رسالة لإبراهيم حيث يذكر أمر الله ويقول {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ؛ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ؛ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
وفي الأخير يبيّن الله رضاه عن إيراهيم وسبب سعادته بالتسليم الخالص للأوامر الإلهية {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ؛ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.