صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (39)

لوط   (2)

تمادي قوم لوط في المعصية

   يؤكد القرآن الكريم على تمادي قوم لوط في المعصية (أهالي مدينتي سدوم  وغومورا) حیث یقول {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}[1].

ولأجل هذا السبب بقيت هذه المعصية محفوظة في التاريخ. ففي اللغة العربية يطلقون اسم المعصية نسبة إلى اسم النبي, بينما في اللغة الإنكليزية يطلقون الإسم تبعاً لاسم المدينة التي يقطنها الناس .

فهل كلّ تطوّر وابتكار يكون حسناً؟

من المقطوع به أنّ كلّ ابتكار وتطوّر لا يخلو من نقص. فالابتكار والاختراع والإتيان بالشيء الجديد يكون جيّداً ما دلم في مسير التقدّم والسعادة الاجتماعية والاقتصادية للناس, ولكن عندما يكون في مسير تفاخر الناس على بعضهم يصبح مذموماً.

فنرى العلماء من قبيل أديسون الذي اخترع الكهرباء أو الإخوة رايت اللذان اخترعا الطائرة او غراهام بل الذي اخترع الهاتف أو من اخترع السيارة وكذلك سائر الاختراعات والابتكارات قد حقّقوا السعادة والرفاهية للناس في حياتهم العائلية والاجتماعية, وقد كان اختراعهم هذا مفيداً ويستحقّ التقدير.

كما أنّ المكتشفين للقاحات المختلفة التي وفّرت السلامة للناس وحققت تقدّماً مهمّاً في القضاء على العديد من الأمراض, لهم حق في أعناق البشر أيضاً. ويسري هذا الكلام على العلماء الذين بذلوا قصارى جهدهم في اكتشاف لقاح الكورونا وسيطروا عليه وساعدوا وساهموا في نجاة العديد من الناس بل جميعهم لهم حق كبير في أعناق كل المجتمع.

وفي المقابل نجد العديد من العلماء قد استفادوا من هذا العلم المفيد ومن جهودهم العلمية وقاموا باختراع أسلحة فتّاكة والقصاء على الناس وممتلكاتهم, وبهذا فقد أفقدهم هذا الاختراع القيمة الإنسانية والأخلاقية.

وعليه نصل إلى أنّ كلتا مجموعتي العلماء قد بذلوا جهدهم في الأبحاث والدراسات العلمية ولكن أحدهما حقّق سعادة الإنسان والآخر قضى عليهم.

وهكذا كان الحال في القرن العشرين حيث ظهرت العديد من الأمراض وحصدت أرواح الكثير من الناس, ومع أنّ علم الطب كان متقدّماً في هذا القرن إلّا أنّ عدد القتلى في هذا القرن بسبب الحروب تجاوز الذين ماتوا بسبب الأمراض.

مواجهة النبي لوط مع قومه

بعدما قام النبي لوط بدعوة قومه لترك ارتكابهم للمعاصي, ودعاهم إلى التقوى وتطبيق التعاليم الإلهية عارضه أهل مدينته وهدّدوه بطرده من المدينة. فجرم النبي لوط كان بأن دعاهم للعفة والطهارة. يقول القرآن {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[2].

وتمادى بهم الحال عندما هدّد أهالي مدينتي سدون وغومورا نفس النبي لوط (ع) بإخراجه وطرده من المدينة {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}[3].

وهكذا وبعدما يئس النبي لوط من تأثير كلامه في قومه أفصح لهم عن ذلك وناجى الله سبحانه وتعالى وطلب منه {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ؛ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ}[4].

فطلب قوم لوط العذاب منه أن يأتي بالعذاب. وكانوا يريدون إبراز عقيدتهم لباقي الناس بالإضافة إلى إبطال ما كان يدعو النبي لوط له. يقول القرآن الكريم {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[5].

ضيوف إبراهیم ولوط

ينقل القرآن الكريم مجيئ الملائكة من عند الله إلى إبراهيم في بادئ الأمر, وتبشيره بولادة إسحاق, ثم تحدّثوا عن قوم لوط ونزول العذاب الإلهي على قومه, ثمّ شرع النبي إبراهيم بالحديث معهم ومجادلتهم حتّى يرفع عنهم العذاب{لَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}[6], ويُبيّن القرآن الكريم هذه المجادلة بتفصيل وشرحٍ أكثر حيث يقول {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ؛ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}[7].

[1]  سورة العنکبوت: الآية 28.

[2]  سورة الأعراف: الآية 82.

[3]  سورة الشعراء: الآية 167.

[4]  سورة الشعراء: الآية 168 – 169.

[5]  سورة العنکبوت: الآية 29.

[6]  سورة هود: الآية 74.

[7]  سورة العنکبوت: الآية 31 – 32.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment