صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (40)

لوط 3

كلام إبراهيم مع الله حول عذاب قوم لوط

جاء في التوارة تفصيل أكثر حول حوار وشفاعة النبي إبراهيم عليه السلام مع الله من أجل رفع العذاب عن قوم لوط:

قال الله لإبراهيم: « لقد تفاقم حال ظلم قوم سدوم وغومورا وزادت معاصيهم».

وأما إبراهيم فكان لم يزل قائما أمام الرب فتقدم إبراهيم وقال أفتهلك البار مع الأثيم. عسى أن يكون خمسون بارا في المدينة. أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارا الذين فيه. فقال الرب إن وجدت في سدوم خمسين بارا في المدينة فإني اصفح عن المكان كله من أجلهم. فأجاب إبراهيم وقال إني قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد. ربما نقص الخمسون بارا خمسة. أتهلك كل المدينة بالخمسة. فقال لا أهلك إن وجدت هناك خمسة وأربعين.

لقد أثنى الله على حلم وشفاعة إبراهيم{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[1], وهكذا تظهر رأفة وعطف الأنبياء الإلهيين وحسرتهم على حال قومهم, ويظهر في المقابل أوج الكفر بنعمة الهداية من الله سبحانه وتعالى لأهل مدينة سدوم وعداوتهم مع النبي لوط, لدرجة أنّ عشرة أشخاص لم يؤمنوا به.

 

ملائكة العذاب الإلهي عند النبي لوط

لقد جاء ملائكة الله بعد لقائهم بالنبي إبراهيم إلى لوط وأجابوا إبراهيم على طلبه برفع العذاب عن قوم لوط{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[2]. وهنا يخبرنا القرآن عن انزعاج النبي لوط من مجيئهم. وهذا الانزعاج يرجع إلى أنّهم كانوا ضيوفاً عنده, وكان لوط قلقاً على مضايقة قومه للملائكة وعدم مقدرته على حراستهم    {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَ ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَ قَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}[3].

وبناءً لما ينقله القرآن الكريم نرى أنّ قوم لوط قد هرعوا إليه{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ …}[4].  ولم يتمكّن لوط من صدّهم {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[5].

وهنا عرّف الملائكة عن أنفسهم وهدّؤوا من روع النبي لوط, وأخبروه بنزول العذاب الإلهي على قومه وبقائه مع المؤمنين منهم {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ، لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[6].

وعلى هذا الأساس وبناءً لأمر الملائكة الإلهيين خرج لوط مع أهله عند السحر من المدينة. ولم يُحدّد القرآن وجهة خروجهم, ولكن ذُكر في التوراة أنّهم قصدوا قرية باسم «صغر».

 

وقوع العذاب الإلهي على قوم لوط

جاء في التوراة حول وقوع العذاب على قوم لوط:

وَإِذْ أَشْــرَقَتِ الشَّــمْسُ عَلَــى الأَرْضِ دَخَــلَ لُــوطٌ إِلَــى صُــوغَرَ، فَـأَمْطَرَ الـرَّبُّ عَلَـى سَـدُومَ وَعَمُـورَةَ كِبْرِیتًـا وَنَـارًا مِـنْ عِنْــدِ الــرَّبِّ مِــنَ السَّــمَاءِ. وَقَلَــبَ تِلْــكَ الْمُــدُنَ، وَكُــلَّ الـــدَّائِرَةِ، وَجَمِیـــعَ سُـــكَّانِ الْمُـــدُنِ ، وَنَبَـــاتَ الأَرْضِ…

وهنا نهض إبراهيم من الصباح الباكر ووقف في محضر الله. وراح ينظر إلى مدن سدوم وغومرا فرأى دخاناً يصعد من ذلك المكان.

وهنا يذكر القرآن الكريم ما جرى عند نزول العذاب على قوم لوط ما حاصله في عدّة سور عندما يقول: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ؛ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[7].

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ؛ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}[8].

{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ؛ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ؛ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ؛ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ؛ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ}[9].

زوجة النبي لوط نموذج عن الناس الكفرة  

يضرب القرآن الكريم مثالاً على الناس الكفرة بذكره لزوجة النبي لوط عندما يقول {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}[10].

تُشير هذه النقطة إلى درس قيّم كثيرا للإنسان وهو أنّه لا ينبغي أن نغتّر بارتباطنا بالناس المعصومين. فكما نرى كانت كلّ من زوجة النبي نوح وزوجة النبي لوط شريكتين لحياة نبيين عظيمين, ولكن في النتيجة كانتا مثالين للناس الكفرة.

[1]  سورة هود:الآية 75.

[2]   سورة هود: الآية 76.

[3]  سورة هود: الآية 77.

[4]  سورة هود: الآية 78.

[5]  سورة هود: الآية 80.

[6]  سورة هود: الآية 81.

[7]  سورة هود: الآية 82 – 83.

[8]  سورة القمر: الآية 34 – 35.

[9]  سورة الحجر: الآية 72 – 76.

[10]   سورة التحریم: الآية 10.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment