صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

سیرة یوسف الصدّیق في القرآن

تُعدّ قصة النبي يوسف من أجمل القصص وأكثرها دروساً وعبر في القرآن الكريم. وقد أفرد القرآن الكريم سورة مستقلة لنقل قصة النبي يوسف عليه السلام:

–       {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[1].

لماذا كانت قصة النبي يوسف أحسن القصص؟ قالوا لأنّ محورها كان شاباً, وقد جاء في هذه القصّة الحديث عن النضال والجهاد الأكبر ومواجهة رغبات المعاصي النفسانية, مضافاً إلى أنّ جميع شخصيات القصة كانت عاقبتهم الخير والنجاح. فقد أصبح والد يوسف الضرير بصيراً, وقد انتقل يوسف من قعر البئر وسجن فرعون إلى عرش السلطة, كما قد تحرّر السجناء الذين كانوا مع يوسف, وتاب أيضاً إخوة يوسف ونجوا في نهاية المطاف.

لقد أجابت الآية على من زعم أنّ القرآن الكريم ورسول الله قد تأثّروا باليهود والنصارى وما جاء في الكتاب المقدّس. واليوم يوجد أشخاص يعتقدون بهذا الأمر. إنّ قصّة النبي يوسف من قصص الكتاب المقدس المشهورة في كتاب الخلقة, فكما أنّ النبي قد أخذ مضامين من الكتاب المقدّس واليهود والمسيحيين ولم يكن قطعاً جاهلاً وغير مطّلع على قصّة يوسف, إلّا أنّ الآية تصرّح بعدم اطّلاعه على بعض الأمور فيها.

وهنا يؤكد القرآن الكريم على أنّ قصّة يوسف تشتمل على مضامين تعليمية للناس حيث يقول:

–       {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}[2].

تتضمّن قصة النبي يوسف نقاطاً كثيرة للأشخاص المتعطشين والفضوليين. فما تذكره هذه الآية (آيات للسائلين) هو من جهة أنّ الشخص الذي ليس لديه سؤال في ذهنه ولا يريد جواباً أيضاً, وكلّما صار الإنسان عالماً أكثر كلّما زادت أسئلته أيضاً. لذلك عليه أن يكون سائلاً وفضولياً في البداية حتّى يصبح عالماً وعارفا, ويجب عليه أن يكمل بحثه وأسئلته كي يزداد علمه أكثر.

إنّ النقاط الأخلاقية البارزة في قصة النبي يوسف في القرآن الكريم عبارة عن

  1. الحسد, كره الإخوة لبعضهم

تشرع قصّة النبي يوسف في القرآن الكريم بنقل رؤياه لوالده يعقوب, وتحذير والده له من نقل الرؤيا لإخوته. فمنذ البداية كان النبي يعقوب قلقاً من حسد إخوة يوسف حيث يقول:

–       {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ؛ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[3].

الف) يعترض الإنسان الحسود على الله لا على الشخص الذي يحسده. فيقول لماذا قد فضّل الله ذلك الشخص عليّ؟

ب) لا ينفع الحسد في رفع أفضلية الطرف المقابل. فالإنسان الحسود مهما حسد لا يُغيّر شيئاً في الخارج, فالله لن يسلب الطرف الآخر الأفضلية والنعمة التي وهبه إيّاها. فالحسود يتسبب لنفسه بالأذية فقط, ولا يزيده الحسد شيئاً على الإطلاق.

ج) حياة الإنسان الحسود صعبة ومضطربة.

لقد حسد النبي يوسف إخوته, ووصل بهم الحال إلى حدّ أن أقدموا على قتله, ولكنّهم امتنعوا في النهاية عن قتله وألقوه في البئر:

–       {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ؛ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ؛ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}[4].

[1]  سورة یوسف: الآية 3.

[2]  سورة یوسف: الآية 7.

[3]  سورة یوسف: الآية 4 – 5.

[4]  سورة یوسف: الآية 8 – 10.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment