صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (45)

یوسف (3)

 

  1. النفور الداخلي للإنسان من المعصية

   ينفر الإنسان بذاته من الخطأ والمعصية. فما لم تنحرف الفطرة الإلهية خلال الحياة ستجد التعاليم الدينية المتطابقة مع طبيعتها وتعتزّ بالإتيان بها, وتسعى في المقابل لرفض مخالفة هذه التعاليم وتجهد في طمسها وإخفائها.

   وهنا نرى في قصة النبي يوسف أنّ إخوته رفضوا أمر قتله عندما رجعوا إلى فطرتهم. يقول القرآن الكريم {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}[1].

   وهكذا يسعى الإنسان دائماً للهروب من المعصية. حتى من يدأبون على مخالفة التعاليم الدينية يسعون لكي يكونوا مطيعين للتعاليم الإلهية, ويطرحون تبريرات عديدة لمعارضتهم العملية للدين. وهنا يقول القرآن بأنّ الإنسان العاصي مطّلع على نفس معصيته ولا يحتاج إلى المحكمة {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ؛ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ؛ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[2].

  1. ميول الإنسان الذاتي للخير والحسنى

   لقد تظاهر إخوة يوسف بالخير وخادعوا والدهم بعد تخطيطهم لإلقائه في البئر. يقول القرآن الكريم {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}[3].

كما قد تمسّك إخوة يوسف كي يخدعوا النبي يعقوب بدعوى زيف النصيحة وإرادة الخير الأمر الذي يُدلّل على خيرية العمل وقبول فطرة الإنسان للنصيحة, وهكذا يخادع العديد من المنافقين في المجتمعات البشرية بواسطة مداهنة الناس وخداعهم.

   وقد أقسم الشيطان عندما أراد خداع آدم وحواء بأكلهم لتلك الفاكهة الممنوعة أنّه ناصح لهم. وهنا ينقل القرآن الكريم {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ؛ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[4].

   وهكذا يؤكد القرآن الكريم في حديثه حول الأشخاص المفسدين أنّ عملهم يؤدّي لتباهي المجتمع. فهؤلاء في الوقت الذي يدّعون إصلاح أمور المجتمع يقومون بالعمل الذي يؤدّي إلى التفاخر والفساد حيث يقول القرآن الكريم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ؛ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}[5].

   ويدل هذا الأمر على أنّ الإنسان لديه الدافع للخير والإحسان تجاه الآخرين بذاته, ويرفض السوء وظلم الآخرين. وهنا يسعى المخادعون للاستفادة من هذا الدافع الذاتي للإنسان حتّى يصلوا إلى مبتغياتهم الغير أخلاقية من خلال مظهر محبة الناس ويخدعون الناس بهذه الطريقة.

   وعليه لو رجعتم إلى التاريخ فلن تجدوا أحداً يرفع شعار العدوان وقتل الناس بشكلٍ علني, بل إنّ القوى الكبيرة التي تدأب على قتل وسفك دماء الناس في العديد من بلدان العالم دائماً ما تكذب وتخادع الآخرين بارتدائها لباس الصلح والدفاع عن حقوق البشر.

  1. اتهام الذات أو تنزيهها

   من الفوارق الموجودة بين الناس ذوي النفوس المؤدبة مع الناس غير المؤدبين هو أنّ غير المؤدبين دائما ما يسعون لتبرئة أنفسهم وإذا وجد عيب أو نقص عندهم يرمونه على غيرهم. ونشاهد هذا الأمر لدى إخوة يوسف حيث قاموا باتهام والدهم يعقوب وسألوه{مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}[6], فكأنّ عدم تأمينهم من قبل والدهم خطأ صدر منه وجعلهم أبرياء.

   ونرى في المقابل أنّ الناس المؤدبين وأهل التقوى دائماً ما يتّهمون أنفسهم ويؤنبّونها عند أيّ مشكلة تواجههم ولا يتّهمون الآخرين. يقول أمير المؤمنين ع في باب صفات المتقين: “فَهُمْ لاَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ“.

[1]  سورة یوسف: الآية 9.

[2]   سورة القیامة: الآية 13-15.

[3]  سورة یوسف: الآية 11.

[4]  سورة الأعراف: الآية 20 -21.

[5]  سورة البقرة: الآية 11 – 12.

[6]  سورة یوسف: الآية 11.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment