صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (42)

یعقوب

سیرة النبي یعقوب في القرآن

يمكن ملاحظة الآيات القرآنية المباركة عن النبي يعقوب عليه السلام من عدّة جهات:

ولادة النبي یعقوب

يؤكد القرآن الكريم على أنّ ولادة النبي يعقوب هي نعمة إضافية وخاصة من الله لإبراهيم وزوجته سارة. وقد استجاب الله لطلب إبراهيم في سنّ الشيخوخة بأن يرزقه ولداً, ولم يكتف بإعطائهم إسحاق بل قد بشّرهم بحفيد لهم اسمه يعقوب {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}[1].

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}[2].

وهنا يؤكد القرآن الكريم على أنّ إسحاق ويعقوب كانا مكافئة لإبراهيم على إصراره وإخلاصه في مسير العقائد التوحيدية والابتعاد عن جمع المشركين حيث يقول القرآن {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}[3].

شخصیّة یعقوب

ويؤكد القرآن الكريم أيضاً على أنّ النبي يعقوب كان إنساناً قويا مخلصاً صاحب بصيرة ومن الأخيار المصطفين {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ؛ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ؛ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}[4].

مكانة یعقوب بين الأنبياء

لقد وضع القرآن الكريم اسم النبي يعقوب بين أسماء الأنبياء الكبار في تاريخ البشرية, وجعل الإيمان به من بين العقائد اللازمة لصحة إيمان الإنسان بالله {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}[5].

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[6].

وقد تميّز النبي يعقوب بين الأنبياء الإلهيين بهذه الصفة بأنّ هناك سلسلة أنبياء قد جاءت من نسله, وقد سُمّي الأنبياء بعده بآل يعقوب.

{ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا؛ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا؛ قَالَ … فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا؛ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}[7].

وعلى غرار القرآن الكريم فقد ذُكر في التوراة أنّ يعقوب كان شخصاً غير مؤهل لتحمّل أعباء النبوة بعد والده إسحاق, لكنّه خادع والده وتمكّن من انتزاع منصب النبوة بعد والده من أخيه عيسى.

تسمية یعقوب بإسرائیل

لقد عبّر القرآن في العديد من الآيات عن آل يعقوب ببني إسرائيل, لكن لم يذكر سبب تسميته بإسرائيل, بينما ذُكر في التوراة سبب هذه التسمية:

لقد نهض يعقوب في الليل مع زوجتيه وعبيده وإحدى عشر ولدا له وجمع أمواله وجاء إلى جانب نهر اردن, وأرسلهم من ممر يبوق إلى جانب النهر, وبقي هناك وحيدا. ثم جاء إليه رجل وبقي يصارعه إلى الصباح. وعندما رأى ذلك الرجل أنّه عاجز عن غليه يعقوب, أقدم على ضربه وأصاب قدم يعقوب.

ثم قال له ذلك الرجل: دعني أذهب لأنّه قد اقترب طلوع الشمس. لكن أجابه يعقوب: ما لم تعطني البركة لن أدعك تذهب من هنا.

عندها سأله هذا الرجل عن اسمه, فأجابه: يعقوب.

هنا قال له: لن يكون اسمك يعقوب بعد اليوم, بل سيصبح إسرائيل, لأنّك قد انتصرت أمام الله والناس.

فسأل يعقوب هذا الرجل عن اسمه, فقال له الرجل: لماذا تسأل عن اسمي؟ عندها أعطى يعقوب البركة.

فقال يعقوب: لقد رأيت الله هنا وما زلت حيّا بسبب هذا الوجود. وعليه سمّى هذا المكان فنيئيل أي وجه الله.

قصة ولده النبي يوسف

إنّ سيرة يوسف الصدّيق ودور يعقوب فيها من القصص الجميلة كثيراً في القرآن الكريم, وسنتحدّث عنها لاحقا.

وصیة يعقوب لأولاده

لقد أوصى النبي يعقوب أولاده بأن يموتوا مسلمين. وينقل القرآن الكريم هذه الوصية عن إبراهيم الخليل والنبي يعقوب ويدل نقل القرآن لها على أهميتها {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؛ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[8].

[1]  سورة هود: 71.

[2]  سورة الأنبیاء: 72.

[3]  سورة مریم: 49.

[4]  سورة ص: 45 -47.

[5]  سورة النساء: 163.

[6]  سورة البقرة: 136.

[7]  سورة مریم:2 – 6.

[8]  سورة البقرة: 132 – 133.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment