صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (44)

یوسف (2)

أهمية كتمان السر

لقد أوصى النبي يعقوب يوسف الصديق بكتمان سرّه وعدم إفشائه أمام الآخرين:

{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[1].

كل شخص لديه مواضيع في حياته الشخصية والاجتماعية ولا ينبغي للآخرين الاطلاع عليها, لأنّ الآخرين إذا عرفوا سرّه فسيذهب ماء وجهه أمام الناس. وعليه إذا حصل واطّلع أيّ شخص على أسرار وخفايا الآخرين لأيّ سببٍ كان فلا ينبغي له إفشاؤها, وإذا أقدم على هذا الأمر فيكون خيانة. فالمعلومات الخاصة للناس هي أسرارهم, وأسرار الناس أمانة. ولا ينبغي أن نخون الأمانة.

يقول النبي الأكرم ص : «المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق». بناء على كلام رسول الله ص لا يجوز التكتّم على السرّ في الموارد التي يوجد فيها سعي لغصب حقوق الآخرين, ولكن يجب حفظ السر في غير هذه الموارد. ومن الواضح بشكلٍ جيد أنّ أساس كلام رسول الله في كلتا الحالتين يكون من أجل مراعاة حقوق الآخرين, سواء كان الإفصاح عن السر مطلوباً أو غير مطلوب.

إنّ حفظ السر من صفات الله تعالى. ومع أنّ الله مطلّع على أسرار الجميع, إلّا أنّه لا يفضح أسرار عباده. لأنّه ستّار على العيوب, ويجب على الزوج والزوجة أن يسترا على بعضهما الأخطاء والعيوب الموجودة بينهما. ويذكر القرآن الكريم عن الزوجين في الأسرة {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[2].

الإرادة الإلهية أقوى من كل شيء

يذكر القرآن أنّ أخوة يوسف ألقوه في البئر{ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}[3].  ثم باعوه في سوق العبيد بثمنٍ رخيص {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}[4].  وكي يحافظ على عفته وشرفه آلت به الحال أن يسجن{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}[5].

وبعد جميع هذه المشاكل التي حصلت ليوسف عليه السلام وسقوطه إلى هذا المستوى في حياته الاجتماعية. رفعه الله وأعلى درجته ومقامه في المجتمع{وكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[6].

فيجب على الإنسان أن يعتمد على الله في جميع أعماله وأموره ويطلب الخير والرحمة من الله. يقول أمير المؤمنين ع في كلامٍ عميق {عَرَفْتُ اللهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ، وَحَلِّ الْعُقُودَ، نَقْضِ الْهِمَم}[7].

العزة بيد الله

نشاهد في قصة يوسف أن أساس عداوة إخوة يوسف له ومكرهم وإلقاءه في البئر كان بسبب محبة واحترام والده له, وأصبح له احتراماً في المجتمع بسبب مكانة والده الكبيرة بين الناس. يقول القرآن الكريم {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ؛ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}[8].

لقد أخطأ إخوة يوسف بطلبهم للعزّة والمكانة. وأرادوا أن يصلوا إلى أهدافهم الدنيوية بظلمهم لأخيهم يوسف, والحال أنّ الله قد جعل العزّة والمذلّة في الدنيا بيده فقط حيث يقول {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[9].

ويؤكد القرآن على إمكانية الوصول إلى العزّة الدنيوية والرفعة من خلال العمل الصالح والكلام الطيب {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ}[10].

يذم أمير المؤمنين عمل من يريد الوصول إلى أهدافه بواسطة ظلم الآخرين. ولا يرضى الإمام علي بسلوك طريق الظلم للناس حتّى لو كان الهدف مقدّساً. فيقول لمن شاوروه للتغلّب على المخالفين للحكومة الإلهية والانتصار عليهم “أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ؟ وَ اللَّهِ لَاأَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ، وَ مَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً”.

[1]  ﴿یوسف:۵﴾

[2]  (بقره:187)»

[3]  (یوسف:۱۵)»

[4]  (یوسف:۲۰)»

[5]   (یوسف:۳۵)»

[6]  (یوسف:۵۶)»

[7]  ( نهج‌البلاغه، حكمت 250)»

[8]  ﴿یوسف:۸-9﴾

[9]  (آل عمران:۲۶)»

[10]  (فاطر:۱۰)»

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment