صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (46)

یوسف (4)

  1. الرياضة ضرورية في مرحلة الطفولة والشباب وسببا للفساد

   بالرجوع إلى قصة النبي يوسف نجد أنّ إخوته قد قالوا لوالدهم {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[1].

إنّ الرياضة أمر ضروري لسلامة الجسد ونفس الطفل والشاب. فالطفل الذي لا يمارس الرياضة يكون مريضاً أو سيمرض. والنبي يعقوب كان ملتفتاً إلى هذا الأمر بخصوص يوسف, لكنّ إخوته قد أساؤوا الاستفادة منه.

ومع ذلك ستكون نفس الرياضة والترويح عن النفس سبباً للفساد ومرض جسد الطفل والشاب. فقد أساء أخوة يوسف الاستفادة من هذه الحاحة الضرورية وأوصلوه إلى حافة الهلاك, وهذا ما يقوم به الأشخاص النفعيّون اليوم في عالمنا حيث يحرفون الأطفال والشباب ويأخذوهم إلى طريق الفساد. وهنا ينبغي على الوالدين مراقبة أولادهم أكثر فأكثر في اللعب والترويح عن النفس.

  1. تبعية الأعداء بشكلٍ غير مباشر

   يحصل أن يظهر الإنسان لأعدائه المخاوف من دون أن يقصد الإساءة. وقد قال يعقوب لأولاده فيما يخض يوسف ومكيدة إخوته {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ}[2].

   بداية طُرح احتمال أكل الذئب ليوسف, ورسخ في أذهان أولاده وأصرّوا عليه لتبرير عدم اصطحاب يوسف معهم. وفي المساء عادوا إلى أبيهم والدموع تذرف من عيونهم {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}[3]. وقالوا له {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[4].

لم تصل هذه المكيدة إلى ذهن إخوة يوسف, بل عمدوا إلى الاستفادة من كلام يعقوب وتبرير فعلتهم تجاه يوسف. وهكذا يُساعد الإنسان عدوّه بشكلٍ غير مباشر في العديد من المواقع ويُرشده. فالإنسان يعرف نقاط ضعفه أفضل من الآخرين, ويستفيد من نقاط الضعف هذه في المواقع التي يواجه فيها العدو وجهاً إلى وجه. وعليه فإنّ الإنسان الذي لا يلتفت إلى كلامه بإمكانه مساعدة عدوّه من دون أن يقصد ذلك. لذلك قال: «إن کان کلامک من فضة فسکوتک من ذهب».

  1. 9. أنواع الدموع

تُعدّ الدموع من المؤشرات على التغييرات والتحولات الروحية عند الإنسان. فالشخص الذي يقع تعيش حالة عاطفية خاصة تنزل الدموع من عينيه. ولأجل ذلك تُعبّر الدموع عن حالات مختلفة:

دموع الشوق: تتحادر الدموع من العين بسبب الفرح والشغف. من قبيل دموع البطل عندما يتوج على المنصة, أو دموع الأم عندما ترزق بمولود جديد, وهنا يتحدّث القرآن عن دموع المسيحيين بعدما يطلّعو على تعاليم الإسلام حيث يقول {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْیُنَهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ یَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاکْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِینَ}[5].

دموع الغم والأسى: تحصل هذه الحالة كثيراً لدى الإنسان, لذلك يكون البكاء والدموع علامة على الأسى والغم في جميع الثقافات. يقول القرآن الكريم أنّ أصحاب رسول الله الفقراء كانوا يأتون أحياناً ويطلبون من النبي المساعدات والخيول. وعندما يقول النبي لهم لا يوجد لدينا ولا أستطيع تلبية ما تريدونه ينزعجون ويبكون {الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[6].

دموع الخوف: والمقصود منها الدموع التي تنزل بسبب الخوف. والبكاء هنا يُشير إلى العجز أمام المشاكل. فاناس المؤمنون بالقدرة الإلهية  يتغلبون بسهولة على هذه الحالات البسيطة والمشاكل. وهؤلاء لا يخافون إلّا من الله. نعم يخافون منه بسبب تصرفاتهم وأعمالهم, ولأجل ذلك يذرفون الدموع. يقول القرآن الكريم عن هذا النوع من الدموع {إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا یَسْتَکْبِرُونَ}[7].

دموع الكذب: من قبيل دموع إخوة يوسف عندما ألقوه في البئر ورجعوا إلى أبيهم. يقول القرآن الكريم {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}[8].

بناء على ما تقدم فإنّ الدموع التي نذرفها في محرم هي حاصل مجموع هذه الأنواع الثلاثة: فهي تعبّر عن الحزن والأسى لما وقع من ظلم على أهل بيت الرسول. إنّ المواقف التي حصلت في كربلاء تفتت قلب الإنسان الحر وتحرقه. كذلك تعبّر عن دموع الشوق أيضاً, وهذا توفيق لنا أنّنا نعزّي أبا عبد الله الحسين ع. فكم من الأشخاص قد افتقدناهم هذا العام ولم يتوفقوا لحصور عزاء الإمام الحسين ع. وأخيراً تعبّر عن دموع الخوف, فعندما نشارك في المجالس ونستمع إلى كلام العلماء, وننظر في أعمالنا ونتذكر معاصينا وذنوبنا, فهذا توفيق إلهي أيضاً حيث نستفيد من روحانية مجالس أبي عبد الله الحسين لتحصيل مرضاة الله سبحانه وتعالى وقبول توبتنا عنده.

[1]  سورة یوسف:الآية ۱۲.

[2]  سورة یوسف: الآية 13.

[3]  سورة یوسف: الآية 16.

[4]  سورة یوسف: الآية 17.

[5]  سورة المائدة: الآية 83.

[6]  سورة التوبة:الآية ۹۲.

[7]  سورة السجدة:الآية ۱۵.

[8]  سورة يوسف: الآية 16.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment