صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن

لوط (1)

سیره النبي لوط

   نشاهد في تاريخ الأنبياء أنّ العديد منهم كانوا معاصرين لبعضهم. ومن بين هؤلاء الأنبياء النبي لوط والنبي إبراهيم عليهما السلام. وترجع هذه المسألة إلى أنّ كلّ قومٍ يحتاجون إلى سماع الرسالة الإلهية من عند الله سبحانه وتعالى, ومع زيادة الأمم وظهور مدن جديدة وحاجة كلّ نبي كي يسكن مع قومه من أجل تبليغهم للأحكام والمعارف الإلهية وإرشادهم إليها حصل هذا الأمر.

شخصیة لوط

   يكون لوط من أقرباء إبراهيم وتربطه به قرابة رحمية. ولم يرد في القرآن الكريم ذكر لهذه العلاقة بينهما, لكن جاء في التوراة أنّ لوط يكون إبن أخ النبي إبراهيم. وقد أكدّ القرآن الكريم على أنّ لوط هو من الأنبياء الإلهيين {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[1], وهو شخص قد أعطاه الله العلم والحكمة {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}[2].

   لم يكن لوط من الأنبياء المرسلين مع شريعة إلهية مستقلة, بل هو نبي مأمور من قبل الله بتبليغ شريعة إبراهيم الخليل. وقد ذكر القرآن الكريم اسم لوط ضمن سلسلة الأنبياء الإبراهيمين عندما قال {وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ؛ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ؛ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}[3].

الإيمان بإبراهيم والهجرة من العراق

   لم يتكلّم القرآن الكريم كثيراً عن سيرة لوط في أرض العراق غير إيمانه بإبراهيم, وهاجر معه إلى الأرض المباركة بعد إيمانه به وخالف الشرك وعبادة قوم إبراهيم للأصنام {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[4].

{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}[5].

   ولم يذكر القرآن الكريم عن هجرة لوط وإبراهيم غير ذهابهم من العراق إلى أرض فلسطين سوياً, بينما جاء في التوراة تفاصيل أخرى عن ذلك: “كان إبراهيم غنياً جداً في المواشي والفضة والذهب…. ولوط السائر مع إبراهيم كان له أيضاً غنم وبقر وخيام. ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معاً إذ كانت أملاكهما كثيرة, فلم يقدرا أن يسكنا معاً. فحدثت مخاصمة بين رعاة مواشي إبراهيم ورعاة مواشي لوط…..

   فقال إبراهيم للوط: “لا تكن مخاصمة بيني وبينك، وبين رعاتي ورعاتك، لأنّنا نحن إخوان. أليست كل الأرض أمامك؟ اعتزل عني. إن ذهبت شمالا فأنا يمينا، وإن يمينا فأنا شمالا». فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقي… فاختار لوط لنفسه كل دائرة الأردن، وارتحل لوط شرقا. فاعتزل الواحد عن الاخر. إبراهيم سكن في أرض كنعان، ولوط سكن في مدن الدائرة، ونقل خيامه الى سدوم.

بدء دعوة النبي لوط

   لقد أُرسل لوط إلى قومٍ كانوا منكرين لرسالة الأنبياء الإلهيين. ويقول القرآن الكريم عنهم {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}[6]. وقد أدّى إنكارهم للرسالة الإلهية التي أبلغهم إيّاها الأنبياء الإلهيون إلى ترك طريق الصلاح والنجاة والركون إلى المعصية والفساد. وقد عبّر القرآن عنهم بقوم لوط, وقد ذكر التوراة أنّهم يعيشون في مدن  «سدوم» و«گومورا» في صحراء الأردن. وقد بلّغ النبي لوط كباقي الأنبياء رسالته الإلهية ودعا إلى التقوى ولم يطمع بأموالهم. يقول القرآن الكريم {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ؛ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ؛ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[7].

[1]  سورة الصافات: الآية 133.

[2]  سورة الأنبیاء: الآية 74.

[3]  سورة الأنعام:الآية 83 – 86.

[4]  سورة العنکبوت:الآية 26.

[5]  سورة الأنبیاء: الآية 71.

[6]  سورة الشعراء: الآية 160.

[7]  سورة الشعراء:الآية 161 – 164.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment