صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (48)

 

يوسف 6

  1. العفة والعصمة نتيجة الإحسان

يؤكد القرآن الكريم على أنّ العلم والحكمة عطية من الله سبحانه وتعالى للنبي يوسف, ويرجع سبب ذلك إلى إحسانه وعمله للخير {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[1]. ويذكر القرآن الكريم في الآية اللاحقة لهذه السورة ما حصل فيمن إثم ومعصية من قبل  زوجة ملك مصر وماذا أجابها يوسف في بادئ الأمر {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ، وَقَالَتْ: هَيْتَ لَكَ؛ قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[2].

لقد كان يوسف شاباً ولديه الشهوة الطبيعية للبشر, ومن الطبيعي أن يستجيب الإنسان لهكذا دعوة لكنّ يوسف رفض ذلك, وهنا يبيّن القرآن الكريم أنّ هذه العفة والطهارة ليوسف هي نتيجة العناية الإلهية الخاصة به حيث يقول {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[3].

ويُعبّر القرآن الكريم عن عصمة يوسف بهذه الآية « رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ»  وهي نفس ما قد ذكره في الآيات السابقة « آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا» ويرجع هذا الأمر إلى إحسان يوسف وعمله للخير « وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ».

ونفهم مما تقدّم أنّ عصمة الأنبياء والأئمة هي نحو علمٍ لهم بحقيقة المعاصي. فجميع الناس معصومون عن بعض الأمور. فلا يوجد إنسان يقدم على شرب السم حتّى لو كان عطشاناً, أو يصعد الدرج مع علمه بأنّه سيهوي به للأسف إلّا إذا كان هناك أمرٌ ضروري لصعوده.

إنّ الإحسان وعمل الخير للآخرين بأيّ نحوٍ كان يقود لنجاة وفلاح الإنسان في الدنيا والآخرة. فأيّ إنسان يسعى في سدّ حاجة إنسان آخر, يكون قد قام بعملٍ أخلاقي ولن يبتعد عن عين الله سبحانه وتعالى. ويطلق الإنسان على العمل الأسمى من وظيفة كلّ شخص. فمن يتعب لعائلته من دون أجر ومقابل فيكون قد قام بمسؤوليته ولا ينبغي أن يعدّ هذا الأمر بعنوان الإحسان, أو إذا أقدم على العمل من أجل تحصيل الأجر والمقابل من الآخرين فيكون قد قام بمسؤوليته مقابل أخذ الأجر على العمل, وعليه إذا قام بخدمة الآخرين من طلب الأجرة وأخذها فستعد تلك الخدمة إحساناً وسيلحقها نتائج وآثار كثيرة.

  1. العمل المتناسب مع مجلس المعصية

بالرجوع إلى ما ذكره القرآن الكريم نرى أنّ النبي يوسف لم يكتفِ بالدعاء واللجوء إلى الله فقط « وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ» ولم ييأس وهرع إلى الباب والحال أنّ زوجة عزيز مصر كانت تركض وراءه {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[4].

ونصل من العمل الذي قام به النبي يوسف والذي ذكر القرآن الكريم جزئياته بدقة إلى عدّة دروس تعليمية:

لا ينبغي الاكتفاء بالدعاء والتعوّذ عند المعصية بل يجب القيام بالعمل المناسب من أجل النجاة من المعصية. فما لم يقترن الدعاء والتعوّذ بذلك العمل لا نجاة للإنسان.

فلا يجوز البقاء في مجلس المعصية, لأنّ وساوس الشيطان تقود الإنسان إلى المعصية. فإذا راقب الإنسان نفسه ولم يتلوث بالمعاصي, فالذين يُشاهدونه في مجلس المعصية ولا يعلمون بعدم نيته للمعصية, فسيفهمون جلوسه في مجلس المعصية على أنّه رضى بها, مضافاً إلى مصاحبته للعاصين, وسينظرون إليه على أنّه عاصٍ. وقد قال النبي الأكرم ص:  «إتَّقُوا مَوَاضِعَ التُّهَم» و يقول أمير المؤمنين ع: «مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّن‏».

وهنا لا ينبغي اليأس من إغلاق الطرق. فمن قام بعملٍ لله سبحانه وتعالى, فلا ينبغي أن ييأس حتّى لو كان الطريق موصداً أمام, بل عليه أن يدأب ويسعى ويشاور ويتوكل على الله في نهاية المطاف, ويعمل. وفي النهاية سيفتح الله الطريق أمامه. وقد وعد الله سبحانه وتعالى{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[5].

كما لا ينبغي الخجل من الآخرين عند الهروب من المعصية. فعندما يخجل الإنسان من الحضور أو الضيوف في مجلس ما فمع أنّه يسعى للخروج من المجلس ولكن يحافظ على احترام الضيوف.

[1]  سورة یوسف: الآية 22.

[2]  سورة یوسف: الآية 23.

[3]  سورة یوسف: الآية 24.

[4]  سورة یوسف: الآية 25.

[5]   سور الطلاق: الآية 2.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment