صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (47)

  1. 10. الصبر الجمیل

لقد تحدّث القرآن الكريم في موضعين عن الصبر الجميل حول مواجهة يعقوب للمشاكل التي تسبب بها أبناؤه. وإحدى هذه المشاكل كانت عندما كذب الإخوة على أبيهم بأنّ الذئب قد أكل يوسف وقال يعقوب حينها{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[1].

أمّا المرة الثانية فكانت عندما ترك إخوة يوسف بنيامين في مصر عند يعقوب وقالوا له {يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}[2]. فأجابهم يعقوب:

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[3].

يأتي الصبر الجميل بمعنى الثبات والتحمّل في سبيل الله ويمتاز بأمرين:

  1. الاستمرار وعدم القنوط واليأس منه.
  2. الاقتران بعدم التذمر والاعتراض والشكوى.

يدل الصبر الجميل مقابل الأحداث الصعبة والامتحانات الكبيرة على شخصية وسعة روح الإنسان. ويشير إلى الصبر الذي تحمّله الأنبياء الإلهيون في قبال أذى وظلم المعارضين لهم والمشركين بهم. فعندما يصف المشركون والمعارضون الأنبياء الإلهيين بأنّهم سحرة وكذّابين, ويقومون بتكذيب بشاراتهم, فيصبرون على ذلك ولا يتذمّرون من هذا الأمر. يقول النبي الأكرم (ص): (مَا أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ مَا أُوذِيتُ) وهنا أمره الله بالصبر الجميل عندما قال {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا}[4].

بناءً على ما تقدّم إنّ المؤمنين هم من لا ينفذ صبرهم من المشاكل التي تواجههم, ولا يلهجون بعدم الشكر والكفر والتذمّر على الإطلاق, فيكون صبرهم صبراً جميلاً وحسناً.

  1. 11. الأجر الإلهي للإحسان وعمل الخير

يكمل القرآن الكريم قصة النبي يوسف بالإشارة إلى الأحداث المهمّة {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ؛ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ؛ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[5].

وهنا يستخدم القرآن الكريم عبارة في الآية اللاحقة ويتحدّث عن الأجر الذي قد أعطاه الله للنبي يوسف. ويظهر من هذه العبارة والأجر أنّ يوسف قد استفاد من المكانة التي أعطاه إياها عزيز مصر للإحسان ومساعدة الناس وعمل الخير. يقول القرآن الكريم {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[6].

إنّ مفردة إحسان مشتقة من مصدر حسن ولها معنيان:

الإنعام على الآخرين والقيام بعمل الخير.

وقد عُدّ الإحسان في النظرية والثقافة الإسلامية أرفع من العدالة من عدّة جوانب, لأنّ العدالة عبارة عمّا يقوم به الإنسان من واجبات وما يكون من نصيبه, أمّا الإحسان فهو القيام بأكثر من الواجب الملقى على عاتقه, وتحصيل أقل من الحق الثابت له.

وإذا رجعنا إلى حياة الإمام الحسن المجتبى (ع) بناءً لما قد يذكره القرآن الكريم وما قد مرّ في الروايات والتاريخ فيمكن إثبات أن هذا الإمام العظيم قد كان نموذجاً كاملاً للإحسان.

[1]  سورة یوسف:الآية 18.

[2]  سورة یوسف: الآية 81.

[3]  سورة یوسف: الآية 83.

[4]  سورة المعارج: الآية 5.

[5]  سورة یوسف:الآية 19 – 21.

[6]  سورة یوسف: الآية 22.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment