صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (49)

یوسف (7)

14 العدالة في الحكم

بعد اطلاع ملك مصر على فرار يوسف وعدو زليخا وراءه ومشاهدته لقميصه الممزق من الخلف وجّه تهمة الخيانة ليوسف {قَالَت مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[1], فأجابه يوسف بهذا الجواب المختصر {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}[2].

وهنا لجأ ملك مصر لمشاورة الآخرين. واقترح أحد أقرباء زليخا حلّا منطقياً لفهم هل يوسف يقول الصواب أو زليخا. وهل مزّق القميص عند فرار يوسف من زليخا أو عند إقباله عليها؟ يقول القرآن الكريم {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ؛ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[3].

وعندما شاهد ملك مصر أنّ قميص يوسف قد مزّق من الخلف, أدرك ما حدث وفهم أنّ يوسف محق وكانت زوجته زليخا صاحبة النية السيئة. وبالتالي حكم بالعدل وقضى بأنّ زوجته مقصرة, واعتذر من يوسف ولم يتعصّب لعائلته, ولم يرفض الحق من أجل حفظ شرف عائلته وبرّأ يوسف. يقول القرآن الكريم {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ؛ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}[4].

إنّ الحكم بالعدل وعدم الركون للحب والبغض من أجل حفظ شرف وسمعة العائلة والقبيلة بالإضافة إلى عدم إنكار الحق من الأهمية بمكان حيث يقول الإمام السجاد عليه السلام بأنّ الحكم غير العادل على مختلف الأشخاص يعد ذنباً يُسقط عدالة الإنسان. ويؤكد على أنّ تفضيل الشخص المذنب على المحق بسبب أنّ المذنب يكون من أقربائه هو نفس التعصّب الذي يؤدّي إلى المعصية وسقوط العدالة       “الْعَصَبِيَّةُ الَّتِي يَأْثَمُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا أَنْ يَرَى الرَّجُلُ شِرَارَ قَوْمِهِ خَيْراً مِنْ خِيَارِ قَوْمٍ آخَرِينَ،وَلَيْسَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبُّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ وَ لَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ”[5].

كما أنّ محبة أفراد قبيلته ليس من مصاديق العصّب المذموم بل إنّ مساعدة أفراد قبيلته على ظلم الآخرين يُعدّ تعصباً مذموما.

15 نتيجة لوم واستغابة الآخرين  

ينقل القرآن الكريم أنّ نسوة مصر اغتابوا زليخة بسبب ما حصل بينها وبين يوسف {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ، قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا، إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[6].

وهنا فإنّ لوم واستغابة الآخرين بخصوص الفعل غير المناسب له عدّة احتمالات:

بما أنّ الشخص الملوم قد ارتكب عملاً غير مناسب: فقد استغابه اللائم والغيبة من الذنوب الكبيرة حيث يقول النبي الأكرم (ص) : “الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ لِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: صَاحِبُ الزِّنَا يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ يَتُوبُ فَلَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ صَاحِبُهُ الَّذِي اغْتَابَهُ يُحِلُّه‏”[7].

أمّا لو لم يرتكب الشخص الملوم ذلك العمل السيء, فسيكون لومه مضافاً إلى اتهامه ذنباً ما لم يرضَ ذلك الشخص, ولن يغفر ذنب الشخص اللائم.

مضافاً إلى ما تقدّم فإنّ السنّة الإلهية بناءً لقول رسول الله (ص):  “مَنْ عَيَّرَ مُؤْمِناً بِشَيْ‏ءٍ، لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرْكَبَهُ[8].

وفي الأخير وبالرجوع إلى ما حصل بين يوسف وزليخا بناءً لنفس السنّة الإلهية فقد ابتلت نفس النسوة اللواتي لمُن زليخا بسبب هذه الحادثة. ينقل القرآن الكريم هذه الحادثة {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ؛ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}[9].

[1]  (یوسف:۲۵)»

[2]  ﴿یوسف:۲۶﴾».

[3]  ﴿یوسف:۲۶-27﴾

[4]  ﴿یوسف:۲۸-29﴾

[5]  (کافی،ج2، ص308)

[6] ﴿یوسف:۲۸-29﴾

[7]  (خصال، ج1، ص63)»

[8]  (کافی، ج2، ص356)»

[9]  ﴿یوسف:۳۱-32﴾

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment