صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (51)

یوسف (9)

  1. المحبة وتلبية حاجات الناس مقدّمة على التبليغ

لقد استجاب الله دعاء النبي يوسف بعدما ناجاه وطلب منه الذهاب إلى السجن حتّى لا يقع في المعصية, وهنا أمر ملك مصر أخذه إلى السجن كي لا تظهر نذالة عائلة عزيز مصر {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[1].

وقد عمل يوسف في السجن على سدّ احتياجات المساجين بما يملكه من قدرة وعلم. ويذكر القرآن الكريم أنّ شخصين من المساجين قد شاهدا رؤيا في نومهما وطلبا من يوسف تفسيرها {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[2].

وعلى الفور عمل يوسف بسرعة ومن دون تأخير وكلل على سدّ حاجتهم وإعطائهم ما يريدونه{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}[3].

ونلاحظ هنا أنّ النبي يوسف قد عمل في بادئ الأمر على سدّ احتياجات المساجين وأحبّهم وأحسن إليهم, وعندما أصبحت حالتهم النفسية على ما يرام وأحبوه عمل على تبليغهم المعارف الدينية. كما قد دعاهم إلى الإيمان به وبأجداده الذين كانوا أنبياء وكانوا مؤمنين بعبادة الله الواحد وبعيدين عن الآلهة المزيفة{ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ؛ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[4].

ثمّ شرع النبي يوسف بالاستدلال العقلي على توحيد الله مع ذكر مقدمة يفهمها جميع الناس عندما قال {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}. وهنا تطرّق إلى عدم منطقية عبادة الآلهة المتعدّدة {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[5].

ونسنتج من هذا العمل الذي قام به النبي يوسف أنه ينبغي للإنسان مخاطبة مشاعر وقلب الناس إذا أراد دعوتهم لأمر معين. فالإنسان الذي يحظى بمحبة وحسنى شخصٍ آخر سيتأثر لا إراديّاً به وسيتبعه. وقد اشتهر هذا القول: «الإنسان عبد الإحسان» ويقول أمير المؤمنين ع: “الْإِحْسَانُ يَسْتَعْبِدُ الْإِنْسَانَ[6].

وعليه يستفيد العديد من الأشخاص بشكلٍ سيء من هذا الأمر كي يُخادعوا الآخرين في الكثير من الموارد, وخاصة الشباب والناشئة حيث لديهم مشاعر صافية ولطيفة أكثر بالإضافة إلى ضعف تجريتهم في الحياة وقلة معرفتهم بالأشخاص المخادعين, فتزداد أهمية هذا الأمر. وهكذا يجب أن يسعى الآباء والأمهات للالتفات أكثر إلى أولادهم وسدّ حاجاتهم النفسية بواسطة المحبة وسيؤدي إشباع الأولاد بمحبة وإحسان أهلهم إلى قلة تضرّرهم وابتعادهم عن الوقوع في شراك الأفراد المخادعين.

  1. 18. طلب حاجته من الله فقط

لقد فسّر النبي يوسف رؤيا هذين السجينين بعد تبليغه للمعارف الإلهية على أساس العقل والمنطق الإنساني {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}[7].

وقد أخطأ يوسف حينها عندما طلب من ذلك السجين الذي فسّر المنام له أن يذكره أمام عزيز مصر عندما يخرج من السجن. لكنّ الشيطان أنساه ذلك كما يقول القرآن الكريم وبقي بعدها يوسف لسنواتٍ عديدة في السجن {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}[8].

ونتعلّم ممّا ذكرنا أنّ طلب الحاجة من غير الله هو خطأ كبير. ولا ينبغي للإنسان أن يطلب مراده من غير الله بل عليه أن يطلب حاجاته من الله بشكلٍ دائم.

[1]  سورة یوسف: الآية 35.

[2]   سورة یوسف: الآية 36.

[3]   سورة یوسف: الآية 37.

[4]  سورة یوسف: الآية 37 – 38.

[5]  سورة یوسف: الآية 40.

[6]  عيون الحكم و المواعظ: 24.

[7]  سورة یوسف: الآية 41.

[8]  سورة یوسف: الآية 43.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment