صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (61)

موسی (2)

 

نشأة موسى قي قصر فرعون

   كان يقف فرعون مع زوجته آسيا على شرفة قصره المشرف على نهر النيل, فلاحظا صندوقاً الذي كان يطفو على وجه الماء. فأمر فرعون أعوانه بإحضار الصندوق. وما إن فتحا باب الصندوق حتى شاهدا رضيعا فيه (موسى), وتعلّقت زوجة فرعون به وهتف قلبها له.

   لكنّ فرعون غضب من رؤيته وقال: لماذا لم يُقتل هذا الصبي؟ وعزم على قتله, هنا وقفت زوجته بوجهه واقترحت عليه أن يقبله طفلا لهما ويُحضر مرضعة له لأنّهما كانا محرومين من نعمة الأولاد. فاقتنع فرعون بكلام زوجته وعزف عن قتل موسى.

   بعد ذلك رأوا بأنّ الرضيع جائع ويحتاج للرضاعة, وبأمر من فرعون ذهب عماله كي يبحثوا عن مرضعة وعثروا على عدّة مرضعات لكنّ الطفل لم يرتضع منهن. وفي النهاية وبمساعدة امرأة من بني إسرائيل أخذوه إلى أمّه, وأحضروها إلى القصر وأرضعوا الطفل من أمه. وهكذا وفى الله بوعده لأمّ موسى عندما قال لها {لَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}.

   وهنا وبعد فترة انقضاء فترة الرضاعة أرجعته أمّه إلى قصر فرعون, وأعطتهم إيّاه, وهكذا ترعرع ونشأ في كنف فرعون وزوجته. ينقل القرآن الكريم خطاب فرعون إلى موسى عندما يقول {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}[1].

دخول موسی إلى المجتمع

   عندما وصل موسى إلى سنّ الرشد والبلوغ, واشتدّت قوتّه الجسدية ترك قصر فرعون في يومٍ من الأيام ودخل إلى المدينة خفية. فرأى رجلان يتشاجران, أحدهما من الأسباط (بني إسرائيل) والآخر من الأقباط (قوم فرعون), فطلب السبطي من موسى المساعدة, وهنا يعرف موسى أنّ الفراعنة يكونون من طبقة الأشراف, وكانوا دائماً ما يلحقون الظلم والأذى ببني إسرائيل, فنهض لمساعدته ولطم الآخر على وجهه فأرداه قتيلاً. فندم موسى على ما قام به وعدّ هذا الأمر من عمل الشيطان, وطلب العفو من الله على ما اقترفه من ذنب. وعليه طلب موسى التوبة من الله. فاستجاب الله توبته وغفر له {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ؛ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ؛ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}[2].

عدم معونة الظالمين

   لقد كان دعاء موسى في هذه الآية عبارة عن درسٍ كبير لجميع الناس. فمن يعيث الفساد في الأرض ويهرق دماء الأبرياء فيها يظلم الناس الضعفاء, ويقوم بشنّ الحروب والمجازر في أنحاء العالم لا ينبغي للآخرين أن يساعدوه ويدعموه. يقول أمير المؤمنين (ع) عند شهادته لأبنائه في آخر وصية له{كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً}.

   بعد ذلك عاد موسى في اليوم الثاني إلى المدينة, وكان قلقاً مما جرى البارحة وكان يخاف من ملاحقته. فرأى موسى نفس ذلك الرجل يتشاجر مع أحد رجال فرعون, وقام بطلب المساعدة منه, فعاتبه موسى لماذا تتشاجر بشكلٍ مع الآخرين بشكلٍ دائم؟ ولكن بعدما رأى أنّه مظلوم ذهب إليه ودافع عنه ورفع الظلم عنه {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}[3].

   وهنا تذكر الرجل القبطي الظالم موسى وذكّره بما فعله في الأمس {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}[4].

   وعليه التفت موسى إلى أنّ الشجار الذي حصل بالأمس قد شاع بني الناس فذهب جانباً. ومن جهة أخرى وصل خبر مقتل الرجل إلى فرعون. فعقدوا اجتماعا لمناقشة هذا الأمر وأصدروا الحكم بقتل موسى.

مساعدة مؤمن آل فرعون لموسی الکلیم

   ينقل القرآن الكريم أنّه كان يوجد رجلٌ من قوم فرعون اطّلع على هذا الحكم. وعُرف هذا الرجل في المصادر الدينية الإسلامية بمؤمن آل فرعون. وكان يتأذى من ظلم ومجازر فرعون, وكان يضع آماله على موسى لنجاة المظلومين في مصر, وعندما شعر بأنّ موسى في خطر, جاء بسرعة من أقصى المدينة (قصر فرعون) وأخبره بهذا الخطر المحدق. وعليه عزم موسى بعد الخبر الذي وصله من هذا الإنسان المؤمن على مغادرة مصر والخروج منها  {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ؛ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[5].

لقد كان العمل الذي قام به مؤمن آل فرعون درساً كبيراً للجميع, حيث إنّ بإمكان إنسانٍ تغيير مسار تاريخ معيّن بقرار يأخذه. فمؤمن آل فرعون أخبر موسى وأطلعه على المؤامرة التي يترصد فيها فرعون له. وهكذا مع خروج موسى من المدينة تكون المرحلة الأولى من سيرة موسى في القرآن قد وصلت إلى نهايتها.

[1]  سورة الشعراء: الآية 18.

[2]  سورة القصص:الآية 15-17.

[3]  سورة القصص: الآية 18.

[4]  سورة القصص: الآية 19.

[5]  سورة القصص: الآية 20 – 21.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment