خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ
مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد
سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.
الأنبياء في القرآن (67)
موسی (8)
وحدة وتعاون الأمة المؤمنة بالله لأجل المقاومة
يذكر القرآن الكريم أنّ الله سبحانه وتعالى قد أمر النبي موسى (ع) وأتباعه بالوحدة والاهتمام بشؤون بعضهم كي تقوى عزيمتهم ويثبتوا أمام سطوة وظلم الفراعنة, وذلك في الوقت الذي مارس فرعون أشدّ الضغوطات عليهم {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[1].
دعوة موسى كليم الله وهلاك الفراعنة
لقد دعا النبي موسى (ع) الفراعنة إلى الله ولكن لم يستجيبوا لدعوته, بل أصرّوا على طغيانهم وجورهم وظلمهم وأذيتهم للمؤمنين. وهنا التجأ موسى عليه السلام لربّه واشتكى له ودعا على الفراعنه {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}[2].
فأجاب الله موسى وهارون بأنّي قد سمعت دعاءكما واستجبته{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا، وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[3].
وهكذا ومع استجابة دعاء موسى ابتلى الله فرعون وقومه بالقحط والجفاف وقلّة الانتاج الزراعي ويباس الأشجار, وذلك كي يدركوا ضعفهم وعجزهم أمام قدرة وقوة الله ويعتبروا من ذلك. يقول القرآن الكريم {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[4].
ومع ذلك لم يتغيّر حالهم وازداد عجبهم وتكبّرهم, ولم يؤمنوا بالآيات والأدلة الواضحة على رسالة موسى لا بل زادوا في عتوّهم وتجبّرهم. وهنا أرسل الله عليهم أنواعا مختلفة من البلاءات علّهم يرجعوا إلى صوابهم ويستيقظوا من سبات غفلتهم {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[5].
ومع أنّ ابتلاءات عديدة قد نزلت عليهم وتكبدّوا خسائر كبيرة إلّا أنّهم لم يعتبروا, واستمرّوا في طغيانهم وارتكابهم للمعاصي.
يقول القرآن كلّما نزل البلاء على الفراعنة لجأوا إلى موسى كي يطلب من الله رفع البلاء عنهم, وكانوا يعدوه بأنّهم سيؤمنوا عندما يرتفع البلاء, وقد رفع الله البلاء عنهم عدّة مرات بعدما دعا النبي موسى ربّه بذلك, ولكنّهم كانوا ينكثون وعدهم ويرجعون إلى كفرهم وجحودهم {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}[6].
المرحلة الرابعة: مرحلة هجرة النبي موسى وبني إسرائيل إلى فلسطين
لقد سأم موسى وأتباعه من ظلم الفراعنة وانتظروا حتى أوحى الله إلى موسى أن يخرجوا من مصر, ويتحركوا في الليل إلى مصر.
وبالرجوع إلى ما جاء في التوراة وبعد البلاءات التي نزلت على الفراعنة وافقوا على خروج موسى وبني إسرائيل من مصر:
أرسل فرعون وراء موسى وهارون في تلك الليلة وقال لهما: “غادروا أرض مصر في أسرع وقت ممكن واحملوا بني إسرائيل معكم. واعبدوا الله كما تشاؤون, واحملوا أمتعكتم معكم. ولكن قبل أن تغادروا ادعوا لي”. وكذلك أصرّ أهل مصر على بني إسرائيل بالخروج من مصر بسرعة. اذهبوا قبل أن نقتل جميعا.
… لقد أكرم الله بني إسرائيل في مصر, بحيث أعطاهم المصريون ما يحتاجون. ولهذا حملوا معهم ثروة مصر.
… وفي تلك الليلة خرج بنو إسرائيل وكان عدد الرجال ستماءة ألف تقريبا ما عدا النساء والأطفال. وكان يوجد بينهم أقوام آخرون خرجوا معهم من مصر. وحملوا معهم أمتعة ومواشي كثيرة.
…. لقد سكن بنو إسرائيل في مصر ما يقارب أربعمئة وثلاثين عاما. وفي آخر يومٍ من هذه السنوات الأربعمئة والثلاثين خرج جنود الله من أرض مصر.
[1] ﴿یونس:۸۷﴾
[2] ﴿یونس:۸۸﴾
[3] (یونس:۸۹)»
[4] (اعراف:۱۳۰)»
[5] ﴿اعراف:۱۳۳﴾
[6] ﴿اعراف:134-135﴾