صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (52)

التخطيط والتفكير للمستقبل لمساعدة الناس في حياتهم

يُشاهد ملك مصر رؤيا غريبة, سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان, وأحضر المفسرين للرؤيا كي يفسّروا منامه. وهنا عجز المفسّرون عن تفسير منامه وقالوا له إنّ هذه الرؤيا أضغاث أحلام {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ؛ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}[1].

وحصل أن تذكّر في هذه اللحظة السجين الذي كان مع النبي يوسف يوسف وكان مسؤولاً عن إعداد الخمر الملك {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}[2].  ثم جاء إلى النبي يوسف وسأله عن رويا الملك{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}[3].

فقام يوسف وبكل محبة ومن دون أيّ تذمّر من المكث طويلاً في السجن بتفسير الرؤيا وأظهر لملك مصر بتدبيره وتخطيطه للمستقبل طريق نجاة الناس وحلّ مشاكلهم في زمن القحط {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ؛ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ؛ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}[4].

وهنا يعلمنا القرآن الكريم من خلال هذا الجزء من القصة أنّه إذا لحق بنا ظلم من قبل أحد وشعرنا بأنّ حقنا قد ضاع فلا ينبغي الابتعاد عن حلّ مشاكل الناس بسبب الانتقام. بل ينبغي العمل قدر المستطاع بما لدينا من قوة وعلم وفكر وتدبير وتخطيط للمستقبل على مشاكل الآخرين.

  1. إثبات الحق بشكلٍ منطقي وبدون قسوة

عندما فسّر النبي يوسف رؤيا ملك مصر وعرض عليه بكلّ مودة طريق حل مشكلة مصر من سنوات القحط السبعة, أمر الملك بتعيين يوسف مستشاراً يبقى إلى جانبه. وهنا استفاد يوسف من هذه المكانة وسعى إلى تبرئة نفسه {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}[5].

لقد عمل الملك بالطلب المنطقي ليوسف وطلب من النسوة اللاتي شهدن ما حصل بين يوسف وزليخا أن يشهدن على حقيقة ما جرى.

وهكذا تأثرت نفس زليخا بمظلومية يوسف وبما أنّ يوسف لا يسعى إلى فضحها والتشهير بها فقبلت بما طلبه الحاكم وشهدت على براءة يوسف {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[6].

بناء على ما تقدم نشاهد أنّ حق يوسف قد ثبت للملك ولجميع الأشخاص الموجودين في الحكومة, بل قد أثّر الكلام النهائي ليوسف في هذا الأمر على كرامته وثبت ذلك لجميع الأشخاص {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[7].

[1]  سورة یوسف: الآية 43 – 44.

[2]  سورة یوسف: الآية 45.

[3]  سورة یوسف:۴۶ الآية 46.

[4]  سورة یوسف: الآية 47 – 49.

[5]  سورة یوسف: الآية 50.

[6] سورة یوسف: الآية 51.

[7]  سورة یوسف: الآية 52.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment