صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (53)

یوسف (11)

  1. اختيار الأشخاص المناسبين للقيام بالأعمال

لقد دعا ملك مصر النبي يوسف عندما تعرّف على علمه وطهارته إلى تحمّل أعباء السلطة والحكم  {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي. فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}[1].

 ولم يقترح ملك مصر على يوسف أن يتولّى مسؤولية معينة, بل ترك الأمر له بأن يختار المسؤولية المناسبة التي يريدها. وهنا وانطلاقاً من اعتماد يوسف على أمانته وقدرته تولّى مسؤولية خزانة مصر والمسائل الاقتصادية لمصر, وطلب من ملك مصر أن يتولّى هذه المسؤولية {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[2].

ونشاهد في هذه الآيات من القرآن الكريم التي تنقل قصة يوسف أنّ ملك مصر قد أكدّ على أهلية يوسف ومكانته العلمية والأخلاقية لإلقاء المسؤولية على عاتقه, كما أنّ يوسف قد أكدّ على تميّزه من الناحية العلمية والأخلاقية لقبوله بهذه المسؤولية والعمل والخدمة للناس.

وتُعدّ هاتان المسألتان من النقاط التي أكدّ على أتباع الدين الإسلامي كثيراً. وقد نهى النبي الأكرم ص عن أمرين:

  1. يختار المسؤول شخصاً للعمل وتحمّل المسؤولية والحال أنّ يُوجد من هو أفضل منه.
  2. يقبل الشخص بالعمل وتحمّل المسؤولية الملقاة عليه من السؤول والحال أنّه يوجد من هو أفضل منه.

والمسألة الأولى تعني أنّه إذا أراد شخصٌ إلقاء مسؤولية على شخصٍ آخر وجعله مسؤولاً عن ذاك العمل, فعليه أن يختار أفضل وأحسن شخصٍ لذلك, بغضّ النظر عمّا إذا العمل متعلقاّ بالمواضيع الخاصة بالدولة والاجتماعية أو كان حول المواضيع الشخصية والفردية. فمن كان يُفكّر بالتقدّم والتطوّر في الأعمال فعليه أن يختار أفضل أشخاصٍ للعمل.

ويقول النبي الأكرم (ص) في هذا الأمر: “مَنِ اسْتَعْمَلَ غُلَاماً فِي عِصَابَةٍ فِيهَا مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّه”[3].

أمّا النقطة الثانية فهي عندما يتمّ الطلب من شخصٍ للقيام بعمل ما أو تحمّل مسؤولية معينة فلا بدّ من البحث عن أفضل شخص يقوم بهذا العمل وما دام يوجد من هو أفضل منه عليه أن يبتعد عن تحمّل المسؤولية والقيام بالعمل المطلوب.

ويقول رسول الله ص في هذا الأمر:  “مَنْ أَمَّ قَوْماً وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ إِلَى سَفَالٍ‏ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”[4].

ولا بدّ من الالتزام بهذا الأصل في جميع السياسات الاجتماعية والشخصية ومراعاة ذلك. ويجب أن يتمّ اختيار أفضل وأعلم وأطهر شخص في أيّ مجال حتّى يقوم بالعمل والمهمّة المطلوبة. وفي غير ذلك ستفشل الأعمال الشخصية والاجتماعية ولن تنجح في النهاية.

  1. الانتقام عند المقدرة ليس من شيم الأنبياء

   لقد كان إخوة يوسف خائفين من عدم إذن ملك مصر لهم بشراء القمح بعد الذي حصل مع بنيامين. وكانت جميع القبائل في ذلك الزمان تعاني من القحط ونقص المواد الغذائية, وكان أملهم الوحيد تلطف ورأفة ملك مصر بهم, لذلك ذهبوا إليه وترجّوه بالقول له  {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}[5].

وهنا عندما تعرّف إخوة يوسف عليه وأدركوا أنّ ملك مصر قد نصّبه مسؤولاً عن تقسيم العطاء والآن يحتاجون إلى لطفه ورأفته لتأمين احتياجاتهم المعيشية, وهكذا كانوا قلقين من انتقام يوسف منهم نتيجة ما فعلوه به عندما ألقوه في البئر فكانوا يخشون من إلقاء القبض عليهم وإلقائهم في السجن أو حرمانهم بالحدّ الأدنى من عطاء القمح. وعليه جاؤوا راجين ليوسف وخاطبوه بكلّ احترامٍ ووقار {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}[6].

لم تغب المشاكل والمعاناة التي قاساها يوسف من إخوته عن باله, من قبيل إلقائه في البئر وبيعه في سوق النخاسة وعبوديته لسنوات عديدة ومكوثه في السجن و….

والآن ومع قدرته على الانتقام منهم عاملهم ومجيء إخوته إليه راجين للطفه ومحبته خجلين منه عاملهم بكلّ محبة وإكبار وأخلاق حسنه, ولم يأت على ذكر ظلمهم بل سامحهم ودعاهم مع أهلهم جميعا إلى مصر{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؛ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا، وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}[7].

[1]  سورة یوسف: الآية 54.

[2]  سورة یوسف: الآية 55.

[3]  مناقب آل أبي طالب (ع)، ج 1، ص 258.

[4]  التهذیب، ج 3، ص 56.

[5]  سورة یوسف: الآية 88.

[6]  سورة یوسف: الآية 91.

[7]  سورة یوسف: الآية 92 – 93.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment