صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (58)

شعیب (2)

  1. الحرية في اختيار طريق السعادة تمنع من هداية الآخرين

يؤكد القرآن الكريم على نقطة جوهرية تحت عنوان رسالة النبي شعيب إلى أهل مدين وهي أنّه لا ينبغي أن يمنعوا الناس من سماع القول الحق. وهنا يذكر القرآن خطاب شعيب لكبار قوم مدين عندما يقول {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا، وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ، وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ؛ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[1].

وهذه الرسالة الإلهية هي نفس رسالة حرية الناس في سلوك طريق الحق وتحصيل العقائد الصحيحة والبحث عن أفضل كلام حيث يقول الكريم{فَبَشِّرْ عِبَادِ؛ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}[2].

جواب أصحاب الأيكة على كلام النبي شعيب

وهنا يوضّح القرآن الكريم أكثر عن قوم مدين وحوارهم مع النبي شعيب, ولكن يُشير فقط إلى عناد أصحاب الأيكة وجوابهم غير المنطقي في قبال المنطق الحق للنبي شعيب, وينقل أيضاً كلام أعدائه الذين طلبوا منه نزول العذاب الإلهي {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ؛ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ؛ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[3].

وقد رأينا ما يشبه هذا الجواب غير المنطقي من أقوام أنبياء آخرين, وهذا ما يدلّ على ضعفهم وعجزهم مقابل الكلام العقلائي للأنبياء الإلهيين. إنّ هذا الكلام يمكن الأخذ به وتصديقه وهو ويتوافق مع الفطرة الإلهية للناس.

العبرة للآخرين أو القدوة لهم

   لقد نزل العذاب الإلهي في نهاية تاريخ هؤلاء الأقوام, ومحى هكذا أقوام من الوجود. وهنا يؤكد القرآن الكريم على مصير هذا القوم من باب كونه درساً وعبرة للأجيال القادمة حيث يقول {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ؛ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[4].

وما يلاحظ في تاريخ أصحاب الأيكة هو أنّهم صاروا عبرة للأجيال اللاحقة, لا قدوة لهم. ففي كلتا الحالتين يوجد درس يُستفاد منه, بينما في حالة العبرة يسعى الآخرون كي لا يعملوا مثلهم, بينما في حالة القدوة يسعون كي يكونوا مثلهم. وهذا درس كبير لجميع الناس حيث يجب أن نكون قدوة للآخرين لا عبرة لهم.

حوار كبار قوم مدين مع النبي شعيب

ينقل القرآن الكريم كلام كبار قوم مدين وخطابهم للنبي شعيب وجوابه بتفصيلٍ أكثر. وقد وقع هذا الحوار والمحاجّة على عدّة مراحل, كما قد أشكل على تعاليم شعيب كبار قومه بإشكالات عديدة:

  1. توهم الممانعة من الحرية

إنّ أول إشكال صدر عن قوم مدين على النبي شعيب كان عندما قالوا له لماذا تقف أمام حرية العبادة وحرية تصرّفنا بأموالنا وممتلكاتنا؟ يجب أن نكون أحراراً حتّى نختار معبودنا ويجب أن نكون أحراراً كي نتمكن من التصرّف بأموالنا كما يحلو لنا {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}[5].

بعد ذلك قاموا بتهديده بالنفي والإخراج من البلد, إلّا إذا أقلع عن دينه ورسالته واتّبع دينهم {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ؟}[6].

لقد كان هؤلاء كبار قوم مدين حيث خالفوا الحرية في العقيدة والحرية في التديّن وسعوا جاهدين لإخراج شعيب وأتباعه الموحدين عن دينهم الذي يؤمنون به.

[1]  سورة الأعراف:الآية 86- 87.

[2]  سورة الزمر: الآية 17- 18.

[3]  سورة الشعراء: الآية 185- 187.

[4]  سورة الشعراء:الآية 189- 190.

[5]  سورة هود: الآية 87.

[6]  سورة الأعراف: الآية 88.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment