صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

المرحلة الثانية: فترة هجرة موسى من مصر إلى مدين, زواجه وحياته مع النبي شعيب

   عزم موسى كليم الله على الهجرة إلى أرض مدين. تقع مدين في جنوب الشام وشمال الحجاز, وكانت خارج سلطة مصر وحكومة الفراعنة. وهكذا لم يجهد موسى كثيراً في سفره كما لم يكن معه أحد يرافقه في هذا السفر الطويل, وعندما وصل إلى مدينة مدين طلب من الله العون والمدد متسلحا بإيمانه به والتوكل عليه {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}[1].

لقد قطع موسى المسافة ما بين مصر ومدين خلال ثمانية أيام. وعندما اقترب من مدين شاهد عدّة أشخاص مجتمعين حول بئر, ويقومون بسحب الماء منه بواسطة الدلو كي يسقوا مواشيهم, ورأى امرأتين واقفتين جانباً بكلً عفة وحياء يرعون أغنامهم ولا يقتربان من البئر. يقول القرآن الكريم حول هذه الحادثة  {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ؛ قَالَ: مَا خَطْبُكُمَا؟ قَالَتَا: لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ؛ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[2].

  لقد أشار القرآن الكريم إلى والد هاتين الأمتين باسم الشيخ. وقد ذكرت الروايات الإسلامية اسمه (النبي شعيب) وهو النبي الذي كان في مدين, لكن ورد في التوراة اسم آخر له: “بعد وصول موسى إلى مدين، جلس عند البئر تحت شجرة، ثم رأى سبع فتيات يتعرضن لمضايقات الرعاة، حيث لا يتمكنن من سقاية أغنامهن لعدم رغبتهن في مزاحمة الرجال، حينها سقى موسى غنمهنّ، فما كان من والدهنّ المدعو في التوراة يثرون”.

  لم يكن يعلم موسى أنّ هاتين الأمتين ابنتا شعيب, لكن عندما رآهما في مأزق أسرع لمساعدتهمت. إنّ هذه الأخلاق والهمّة من خلق الأنبياء. وقد مرّ في التاريخ الإسلامي الكلام عن حلف الفضول الذي كان النبي محمد (ص) شريكاً فيه. وتعود تسمية حلف الفضول إلى عهدٍ في تاريخ العرب ما قبل الإسلام إلى مجموعة من شبّان مكة تحالفوا مع بعضهم واجتمعوا سوية وأقسموا على مساعدة المظلومين والغرباء عن المدينة الذين يعانون من ظلم جبابرة مكة.

   وهنا يفتخر النبي محمد ويقول عن انضمامه لهذا الحلف: “لقد شهدت فی دار عبد اللّه بن جدعان حلفا ما احبّ‏ أنّ‏ لی‏ به‏ حمر النّعم،‏ و لو اُدعَى به فی الإسلام لأجبت”[3].

دخل موسى إلى منزل شعيب والعمل معه والزواج من ابنته

ينقل التوراة حول قصة موسى وخدمته لهؤلاء النساء:

عندما عادت البنتان إلى المنزل سألهم والدهم رعوئيل: ما الذي حصل حتّى رجعتما اليوم باكراً؟ فقالوا له: لقد ساعدنا رجل مصري وأبعد الرعاة عن البئر حتّى تمكنا من سقاية أغنامنا. فسألهم أبوهم: أين يكون هذا الرجل الآن؟ لماذا لم تحضروه معكما؟ اذهبوا واطلبوا منه أن يأتي لتناول الغذاء معنا. استجاب موسى للدعوة وبقي بعد ذلك في منزلهم. ويذكر القرآن نفس هذه القصة مع اختلاف يسير عندما يقول {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، قَالَتْ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا. فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ: لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ؛ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ؛ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ قَالَ: ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[4].

وهكذا تزوج موسى من صفورا, وبقي في مدين وعمل في الرعي والزراعة. وبعد مكوثه هناك عشر سنوات عزم على الهجرة إلى مصر مع عائلته وجمل معه متاعه وأغنامه تاركا مدين.

لزوم عمل النبي موسى في رعي المواشي عشر سنوات

لقد ترعرع موسى في قصر فرعون وعاش في بحبوحة ورغدٍ كبير, ولم يعاني من المشاكل وصعوبات الحياة. وهنا يستفيد الإنسان من مقارعة مشاكل الحياة وإيجاد الحل لها كي يكبر ويزداد وعيه وهذا ما حُرم منه موسى.

لقد اختار الله سبحامه وتعالى موسى كي يكون نبياً, ووعد أمّه عندما كان رضيعا بقول لها{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[5]. وكي يتحمل موسى هذا الحجم من المسؤولية الكبيرة لا بدّ من ازدياد وعيه لمواجهة هذه المشاكل, ولا بد من مقدرته على إدارة شؤون بني إسرائيل والأخذ بيدهم لبناء مجتمع قوي. وشاء تقدير الله أن تكون تجربة موسى في العمل برعي الأغنام لمدة عشر سنوات فترة إعدادٍ له للاستعداد لهذه المسؤولية.

[1]  سورة القصص: الآية 22.

[2]  سورة القصص:الآية 23 – 24.

[3]  سیرة ابن هشام، ج1، ص134.

[4]  سورة القصص: الآية 25 – 28.

[5]  سورة القصص: الآية 7.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment