صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (65)

موسی (6)

إظهار المعجزة من جانب موسى كليم الله

أقدم فرعون على تهديد موسى بإلقاء القبض عليه عندما احتدّ النقاش بينهما حول الرسالة الإلهية. قال موسى: إذا قدّمت لك دليلاً واضحاً على رسالتي فهل تقبل به؟ فأجابه فرعون: إذا كنت محقّاً آت بما عندك!

وهنا ألقى موسى عصاه على الأرض وفجأة شاهدوا أنّ عصاه قد تحوّلت إلى ثعبانٍ كبير, ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها, فرأى جميع الحاضرين أنّ يده بيضاء ناصعهة. يقول القرآن الكريم {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[1]. {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}. {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}.

بعد ذلك قال فرعون لأعوانه إنّ موسى ساحر ماهر! ويريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فما تصنعون؟

فأجابه أعوانه: اترك موسى وهارون هنا, وابعث جندك في المدينة كي يأتوا بجميع السحرة الماهرين. وفعلاً أرسل فرعون جنده في أرجاء مصر حتّى يحضروا السحرة. وجاؤوا بعددٍ كبير منهم إلى فرعون.

وبعد أن اجتمع السحرة طلبوا من فرعون جائزة كبيرة في حال غلبوا موسى, فقبل فرعون بذلك ووعدهم بأن يبقيهم إلى جانبه ويرفع من مقامهم.

انتصار موسى على السحرة وإيمانهم به 

جاء اليوم الموعود للقاء موسى بالسحرة واجتمع جمع غفير من الناس حولهم, وجلس فرعون مع أعوانه في مكانٍ خاص. وهنا قال السحرة لموسى: هل تلقي ما لديك أولاً أو نقوم بإظهار ما لدينا قبلك. فأجابهم موسى: ابدأوا أنتم أولا.

وعليه ألقى السحرة حبالهم وعصيّهم على الأرض وأظهروا سحراً كبيراً للناس, وكان المشهد الذي قدّمه السحرة كبيراً ومخيفاً {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[2]. ومن شدّة ما كانوا معجبين بأنفسهم قالوا إنّنا سننتصر قطعاً على موسى {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}[3].

لقد تمكن السحرة من جذب انتباه الحاضرين حيث كان عددهم كبيراً وكانوا ماهرين في فنّ الشعبذة, واستمالوهم إلى حانبهم, وهنا سيطر الفرح والبهجة على الفراعنة وكانوا سعداء جدّا ممّا يشاهدونه.

كان موسى وحيداً ولم يكن معه غير أخيه هارون, وعندما شاهد هذا المشهد انتابه الخوف من انتصار فرعون عليه, وهنا أوحى الله إلى موسى: لا تخف! ستنتصر عليهم قطعا. ألق عصاك وستلتهم كلّ ما صنعه السحرة {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى؛ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى؛ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[4].

وبالفعل ألقى موسى عصاه فتحولت إلى ثعبان كبير, وتوجهت إلى الأفاعي الاصطناعية التي اصطنعها السحرة وابتلعتها, ولم تبقِ لها أيّ أثر, وهنا عندما شاهد الحضور هذا استوحشوا مما يشاهدونه ولاذوا بالفرار من المكان. وبُهت فرعون وأعوانه.

عندها أدرك السحرة الذين تعلّموا السحر أنّ ما شاهدوه بأعينهم ليس سحراً بل هي إرادة الله التي قامت بذلك, لأنّ الذي حصل إن كان سحراً لن يبتلع ما قاموا بفعله. ولأجل هذا السبب خرّ السحرة ساجدين على الأرض وقالوا: آمنا برب موسى وهارون خالق هذا العالم. يقول القرآن الكريم{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ؛ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ؛ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}[5].

توبه وإيمان السحرة أجمل ما حصل في محضر فرعون

لقد شهد فرعون على هزيمته من موسى بعد ما حصل مع السحرة وإيمانهم بدعوة موسى, مضافاً إلى ثبوت أحقيّة موسى أمام أعين الملأ, لذلك قام بتهديد السحرة بالعقاب في حال آمنوا بموسى وبدعوته {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ؟ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ، فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى}[6].

 إنّ جواب السحرة لفرعون هو من أروع مشاهد التوبة والإيمان الحقيقي في الواقع {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا؛ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[7].

وفي الأخير إنّ النتيجة التي يخلص إليها القرآن من هذه الواقعة ويعلّمها للناس المؤمنين هي مقارنة مجموعتين من الناس مع بعضهم يوم القيامة: فتوجد مجموعة من العصاة الذين سيخلدون في جهنم, وتوجد مجموعة أخرى مؤمنين بالله سيجتمعون معاً حتّى لو كانوا مذنبين في الدنيا ولكن تابوا وختموا حياتهم بالعاقبة الحسنة {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[8].

{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى؛ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى}[9].

[1]  سورة الشعراء: الآية 29.

[2]  سورة الأعراف: الآية 116.

[3]  سورة الشعراء: الآية 44.

[4]  سورة طه: الآية 67-69.

[5]  سورة الشعراء:الآية 45 – 48.

[6]  سورة طه: الآية 71.

[7]  سورة طه: الآية 72 – 73.

[8]  سورة طه: الآية 74.

[9]  سورة طه: الآية 75 – 76.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment