صلاة الجمعة

خطبة صلاة الجمعة في مسجد الإمام عليّ (ع) في هامبورغ

مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد

سماحة الدكتور الشيخ هادي مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع أمره ونهيه.

الأنبياء في القرآن (69)

موسی (10)

 

المرحلة الخامسة

انحراف بني إسرائيل

 بعد أن عبر موسى وأصحابه البحر ونجو أكملوا طريقهم إلى أرض فلسطين, وأثناء مسيرهم التقوا بقومٍ يعبدون أصناماً خاصة بهم. فجاء بعض الجهلة من بني إسرائيل إلى موسى وقالوا له بعد أن أثّر فيهم هذا الأمر: اجعل لنا آلهة نعبدها كما يعبد هؤلاء أصناما لهم. فالتفت إليهم موسى وبيّن لهم جهلهم وقلة معرفتهم وعلمهم وبطلان عبادة هؤلاء القوم للأصنام والعاقبة السيئة التي تنتظرهم. يقول القرآن الكريم {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ؛ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؛ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[1].

لقد تحدّث الله عن بني إسرائيل وأشار إلى كفرهم وتمرّدهم ونسيانهم لنعمة التحرّر من ظلم وجور فرعون بسرعة {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ، وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}[2].

النعم والألطاف الإلهية

بعد ذلك أكمل بنو إسرائيل مسيرهم إلى أرض فلسطين وحصل أن أصابهم عطش شديد وسط الصحراء القاحلة والحارة فطلبوا الماء من النبي موسى (ع). فأوحى الله إلى موسى أن يضرب الصخرة بعصاه وانبعث منها اثنتا عشرة عينا (بعدد قبائل بني إسرائيل) وشربت كل قبيلة من عين واحدة {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا، وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}[3].

وعندما وصل بنو إسرائيل إلى صحراء سيناء واجههم حرّ شديد, وبما أنّه لا يوجد مكان يستريحون فيه من هذا الحر ولم يكن يوجد أشجار يستفيئون بظلّها, اشتكوا إلى موسى فأرسل الله غماماً لهم كي يحفظهم من حرّ الشمس {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ}[4].

وعندما شارف زادهم على النفاذ اشتكوا مجدّدا إلى موسى, يقول التوراة:

“ثم ارتحلوا من إيليم . وأتى كل جماعة بني إسرائيل إلى برية سين، التي بين إيليم وسيناء في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني بعد خروجهم من أرض مصر, فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهارون في البرية, وقال لهما بنو إسرائيل: ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر، إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزا للشبع. فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع, فقال الرب لموسى: ها أنا أمطر لكم خبزا من السماء. فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها. لكي أمتحنهم، أيسلكون في ناموسي أم لا ويكون في اليوم السادس أنهم يهيئون ما يجيئون به فيكون ضعف ما يلتقطونه يوما فيوما. فقال موسى وهارون لجميع بني إسرائيل: في المساء تعلمون أن الرب أخرجكم من أرض مصر, وفي الصباح ترون مجد الرب لاستماعه تذمركم على الرب”.

وهنا طلب النبي موسى الطعام من الله, فأنزل الله عليهم المنّ والسلوى {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[5].

فالمن هو نوع من العسل الطبيعي الموجود في الجبال, أو المقصود به صمغا نباتياً موجودا على الأشجار ويقطر منها. أمّا السلوى فهو طائر لحمه حلال شبيه بالسماني.

لقد منّ الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل بكلّ هذه النهم, ومن يدرك قيمة وأهمية ما يقدّمه الله يعي بأنّ هذا أرفع وأعلى مستوى من النعم والمواهب الإلهية.

وعندما يتحدّث القرآن عن أهل الجنّة يذكر هذه الصفة الكبيرة لهم بأنّ الله يعطيهم ويُكرمهم{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[6].

ومع كل ما منّ الله به على بني إسرائيل لم يقنعوا بهذه النعم الإلهية, وطلبوا من موسى (ع) أطعمة مختلفة, فأجابهم على ما طلبوه منه: لقد استبدلتم النعم الإلهية بأمور تافهة لا قيمة لها,  والآن عليكم أن تذهبوا إلى إحدى المدن القريبة حتّى تحصلوا على ما تريدونه {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. قَالَ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ؛ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}[7].

[1]  سورة الأعراف: الآية 138 – 140.

[2]  سورة الأعراف: الآية 141.

[3]  سورة الأعراف: الآية 160.

[5]  سورة الأعراف: الآية 160.

[6]  سورة الإنسان: الآية 21.

[7]  سورة البقرة: الآية 61.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment